الكأس اللعينة بقلم / الزهرة الصالح
لم تكن تنتظر تلك القبلة على جبينها في ذلك الصباح.
_ كل عام وأنت بخير حبيبتي…
لم تصدق ما ترى وما تسمع، أحقا ما زال يذكر يوم ميلادها؟ ألم ينسه كما نسي أشياء كثيرة مع دوامة الحياة؟…اقشعر جسدها حين أحاط خصرها بيديه، مبتسما ابتسامة كان لها من الجاذبية ما لم تتوقع..همس في أذنها:
_ سأعود باكرا ونحتفل.
في المساء، كل شيء جاهز، مائدة أنيقة زينتها بمنديل أبيض، أطباق وكؤوس من الكريستال الخالص، وضعت بجانب كل طبق منديلا صغيرا أحمر طوته على شكل قلب، في الوسط بعض الشموع الملونة وباقة ورد أحمر وياسمين.
_ ماما! من المعزوم الليلة؟
_ لا أحد عزيزتي، اطمئني! سنحتفل وحدنا..هكذا أجابت ابنتها التي كانت لاتحب العزائم.
_ وما المناسبة ماما؟
_ إنه عيد ميلادي! (تبتسم لابنها ابتسامة خجولة ماكرة وكأنها طفلة صغيرة)
يصرخ الطفلان في آن واحد( واااو) ويهنآنها، يعتذران لها عن عدم إحضار هدية، فتجلس على ركبتيها وتحيطهما بذراعيها:
_ أنتما أجمل هدية حباني بها الله…
قاربت الساعة الثامنة، الزوج لم يحضر ..أنهى الطفلان واجباتهما المدرسية، استحما ولبسا ثيابا جميلة.. لبست هي لباسا تقليديا ( قفطانا حريريا مطرزا)..تنظر للساعة مرة تلو الأخرى:
_ اللهم اجعله خيرا، (بدأت تفكر) لا! مستحيل، هل يعقل…؟ إنه عيد ميلادي!..بينما هي تتأمل ابنيها وهما يشاهدان فيلما للرسوم المتحركة، يرن هاتفها:
_ عزيزتي، آسف! وقع شيء طارئ، سأعود بعد ساعة.
أقفل الخط قبل أن تجيب.. فهمت! .. “يجب ألا يشعر الأولاد بشيء”، حاولت قدر المستطاع أن تبرر لهما تأخر والدهما.
إنها العاشرة، الطفلان يغطان في نوم عميق.. تحاول أن تقنع نفسها بأن زوجها قارب على الوصول، لن تفسد ليلتها! ستغير ثياب السهرة بأخرى أكثر جاذبية، ستضع مساحيق تجميل أكثر إثارة، أحمر شفاه غامق، طلاء أظافر أحمر، ستسرح شعرها على شكل كعكة جانبية، لا! هو يحبه منسدلا على كتفيها…
تسمع صوت محرك سيارته، تنظر للساعة (الواحدة والنصف صباحا)..تتنفس الصعداء:
_ (باستهزاء) وأخيرا هل الهلال.
تحاول أن تكتم غضبها، تفتح الباب، فيسقط أمامها وهو ممسك بربطة عنقه.. مرعب منظره! قميصه مليء بالبقع، رائحة الخمر تملأ المكان..تتأمله! أهذا هو زوجها الذي غادر في الصباح؟.
يتلعثم كمريض يستفيق من البنج:
عزيزتي، آسف، هديتك هنا، لا! بل هنا (يبحث في جيوب سترته). يضحك! يبكي! يهلوس..، تحاول مساعدته، يتقيأ فيلطخ ثيابها ..تدفعه بقوة وتصرخ: مقرف!.. هيا! انهض لتغسل هذه القذارة!
يستسلم للماء الساخن وهو يسري على جسده، فيبدأ في استرجاع وعيه…
يختلس النظر إليها وهي تحممه كطفل صغير، فلا يجرؤ على مواجهة عينيها الدامعتين..يتساءل ويتحسر:
_ ترى هل تبكيني أم تبكي حظها؟ تبا للكأس اللعينة!
التعليقات مغلقة.