الكاتب العدل مقال بقلم الأستاذ : محمد كسبه
الكتابة فن و علم و مهارة
الكتابة فن من فنون الأدب ، و درب من دروب الإبداع ، فهي فن يشبه الرسم بالكلمات ، مما يجعلك حين تقرأ تشعر بموسيقى داخلية و تنسجم مع النص المكتوب عقليا و روحيا في نزهة وجدانية ، تتوحد مع الكاتب فكريا من بداية النص إلى نهايته ، و كما أن الفنان له معجبون و متابعون لأعماله ، فالكاتب أيضا له معجبون و متابعون متأثرون بأفكاره .
الكتابة علم له أصوله و قواعده ، التي تميز الكتابة عن غيرها من العلوم من حيث قواعد النحو ، الصرف ، علامات الترقيم و كذلك ضوابط و محاذير استخدام اللغة ، فالكاتب حين يكتب يجب أن يراعى الدقة في ضبط و تشكيل النص بحيث يجعل النص جميلا شكلا و خاليا من الأخطاء موضوعا .
الكتابة مهارة و حرفة ، فصياغة الكلمات تشبه صناعة و تشكيل الذهب و المجوهرات ، فالكاتب مثل الصايغ عليه ألا يقلد غيره و عليه أن يبتكر لنفسه اسلوبا يميزه عن غيره ، بحيث يصيغ من مفردات اللغة و تراكيبها نصا مترابطا مثل العقد الذي يدهش الرائي .
مهارة الكاتب هي تحقيق الهدف الأساسي من النص و جذب القاريء و إقناعه في اعتناق أفكار الكاتب بما يحقق تطوير و تحسين الحياة و المجتمع ، أو رد كل فكرة لأصولها و جذورها ، هذا إذا كان الكاتب طيبا ، أما إذا كان الكاتب خبيثا فهو آداة لهدم المجتمع ، كالشيطان الذي يزيف الحقيقة و يزين الباطل .
الكاتب العدل هو الكاتب الميزان ، الذي لا يميل ، و لا يحيد عن الحق ، و لا ينكر فضل ، و لا يجحد نعمة ، أي يكون موضوعيا ، لا يتأثر بالأهواء الشخصية ، و هو بذلك يجاهد نفسه في توثيق الحق بدون مراوغة بلا زيادة أو نقصان .
الكاتب العدل هو الكاتب الوحيد الذي ذكره الله سبحانه و تعالي في القرآن الكريم بنفس اللفظ في قوله تعالي ” و ليكتب بينكم كاتب بالعدل ” الآية ٢٨٢ سورة البقرة .
العدل هو الحق و هو اسم من أسماء الله تعالى ، و الكاتب حين يكون عدلا فهو مثل القاضي الذي يفصل في المنازعات و يرد الحقوق لأصحابها ، سواء كان صاحب الحق قويا أو ضعيفا سفيها .
الكاتب العدل هو موظف مرخص من الحكومة و مدرب للقيام بجملة من المهام القانونية مثل تصديق و توثيق العقود و الإقرارات الشرعية .
و من أمثلة الكاتب العدل ، ما يحدث في المجالس العرفية ، التى تعتمد و تقر بأحكامها المحاكم المدنية و الجنائية على مستوى الجمهورية ، و لا يوجد خلاف بين القضاة في الأخذ و الرجوع إلى أحكام الجلسات العرفية للفض في القضايا ، المنازعات و الخصومات .
الكاتب العدل يعد أرقى و أنزه أنواع الكتاب ، فليس كل كاتب أو حكم يكون عدلا ، فالكاتب العدل مرحلة لا يصل إليها إلا المخلصين لله تعالى ، الذين لا تشغلهم بهارج الدنيا .
و هناك فرق بين الكاتب العدل و القاضي أو الحكم العدل ، ففي المجالس العرفية من يصدر الحكم هو نفسه من يوثقه .
الله وحده هو من يعلم بالصفة و الاسم من هو الكاتب العدل ، فنحن كبشر مهما ارتقينا لا نتفق على أن هذا أو ذاك يعد كاتبا عدلا ، فكل منا حريص على مصلحته ، فإذا تحققت لنا المصلحة و رضينا بما كتب و وثق قلنا عنه كاتبا عدلا ، و إذا لم نرض و اختلف الحكم و التوثيق مع مصلحتنا ، حكمنا و أطلقنا على الكاتب سيلا من الاتهامات بأنه ليس عدلا فيما كتب .
الكاتب العدل منحة من الله لتيسير أمور الناس بما يحقق صالح المجتمع و به تستقيم الحياة .
التعليقات مغلقة.