اللغة العربية ومكانتها في الإسلام بقلم : د . محمد راضي الشيخ
أستاذ مساعد البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن بجامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية بماليزيا ( UNISHAMS )
للغة العربية أهمية عظيمة في حياة الأمة ، نفهم هذا المعنى من النص القرآني الذي شاءت حكمته سبحانه وتعالى أن يكون العرب هم حاملوا آخر رسالة سماوية إلى الأرض ، وقد اكتسبت اللغة العربية هذه المكانة العظيمة من اقترانها بالقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ، إذ ” لابد لمن أراد الخوض في علم القرآن والسنة من معرفة عادات العرب في أقوالها ومجاري عاداتها حالة التنزيل من عند الله والبيان من رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأن الجهل بها موقع في الإشكالات التي يتعذر الخروج منها إلا بهذه االمعرفة ” ( الموافقات للشاطبي ، ج3/ 261 ) ، فلابد لفهم القرآن والسنة من فهم العربية وأساليبها المختلفة ، وقد اشترط الشاطبي لفهم نصوص الشريعة ضرورة فهم لسان العرب فيقول : ” لابد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين ، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ، فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة ، وإن لم يكن ثم عرف ، فلا يصح أن يجري في فهمها على ما لا تعرفه ، وهذا جار في المعاني والألفاظ والأساليب ” ( الموافقات للشاطبي : ج2 / 131 ) ، فللعربية ضوابط وسنن نزل عليها النص القرآني ” وإنما يعرف فضل القرآن من عرف كلام العرب وعرف علم اللغة وعلم العربية ، وعلم البيان ، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقولاتها في مواطن افتخارها ورسائلها وأراجيزها ، وأسجاعها فعلم منها تلوين الخطاب ومعدوله وفنون البلاغة ” ( ابن القيم الجوزية : الفوائد المشوق في علم القرآن وعلم البيان ، ص7 ) ، ” فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون ” ( ابن تيمية : اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ، ج9 / 519 ) ، ” اعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق ، وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين ، ومعرفتها فرض واجب ، فإن فهم الكتاب والسنة فرض ، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ” ( المصدر السابق : ج1 / 527 ) ، وقال ابن تيمية أيضا : ” وما زال السلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتى في المعاملات وهو التكلم بغير العربية إلا لحاجة كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد ، بل قال مالك : من تكلم في مسجدنا بغير العربية أخرج منه ، مع أن سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها ولكن سوغوها للحاجة وكرهوا لغير الحاجة ، ولحفظ شعائر الإسلام ، فإن الله أنزل كتابه باللسان العربي وبعث به نبيه العربي ، وجعل الأمة العربية خير الأمم فصار حفظ شعائرهم من تمام حفظ الإسلام ” ( ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، ج32 / 255 ) ، ” ومعلوم أن تعلم العربية وتعليم العربية فرض على الكفاية ، وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن ، فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحباب أن يحفظ القانون العربي ، وتصلح الألسن المائلة عنه فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة والاقتداء بالعرب في خطابها ، فلو ترك الناس على لحنهم كان نقصا وعيبا ” ( ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، ج32 / 252 ) ، ” ما ذلت لغة شعب إلا ذلّ ، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار ، ومن هذا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضا على الأمة المستعمرة ويركبهم بها ، ويشعرهم عظمته فيها ويستلحقهم من ناحيتها ، فيحكم عليها أحكاما ثلاثة في عمل واحد : أما الأول فحبس لغتهم في لغته سجنا مؤبدا ، وأما الثاني : فالحكم على ماضيهم بالقتل محوا ونسيانا ، وأما الثالث : فتقييد مستقبلهم بالأغلال التي يصنعها فأمرهم من بعدها لأمر تبع ” ( مصطفى صادق الرافعي : وحى القلم ، ج3 / 27 ) ، ” ولابد في تفسير القرآن والحديث من أن يعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ ، وكيف يفهم كلامه ، فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه ، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني ، فإن عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب ، فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدعون أنه دال عليه ولا يكون الأمر كذلك ويجعلون هذه الدلالة حقيقية وهذه مجازا ” ( ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، ج32 / 255 ) ، لفاظألفاظ
هذا الكلام وفحواه جرى على ألسنة غير العرب من بعض المستشرقين المنصفين فمن هذه الأقوال :المستشرق المجري ” عبد الكريم جرمانوس ” : ” إن في الإسلام سندا هاما للغة العربية أبقى على روعتها وخلودها فلم تنل منها الأجيال المتعاقبة على نقيض ما حدث للغات القديمة المماثلة كاللاتينية حيث انزوت تماما بين جدران المعابد ، ولقد كان للإسلام قوة تحويل جارفة أثرت في الشعوب التي اعتنقته حديثا ، وكان لأسلوب القرآن الكريم أثر عميق في خيال هذه الشعوب فاقتبست آلافا من الكلمات العربية ازدانت بها لغاتها الأصلية فازدادت قوة ونماء ، والعنصر الثاني الذي أبقى على اللغة العربية هو مرونتها التي لا تبارى ، فالألماني المعاصر مثلا لا يستطيع أن يفهم كلمة واحدة من اللهجة التي كان يتحدث بها أجداده منذ ألف سنة ، بينما العرب المحدثون يستطيعون فهم آداب لغتهم التي كتبت في الجاهلية قبل الإسلام ” ( نقلا عن كتاب : الفصحى لغة القرآن : أنور الجندي ، ص301 ) ، هذا غيض من فيض في أهمية اللغة العربية ومكانتها في الإسلام ، وللحديث بقية – إن شاء الله – .
التعليقات مغلقة.