اللغة كائن حي ….كلمات تحت المجهر ” شاطر”
اللغة كائن حي ….كلمات تحت المجهر ” شاطر”
د. وجيهة السطل
نعلم في قانون التطور الدلالي أو تخليق المصطلحات الجديدة، أنه لابد من خيط معنوي يربط المعنى اللغوي للكلمة بمعناها الاصطلاحي.
فالمذياع لغة هو الرجل الذي لايكتم سرًّا.وهو هذا الاختراع الصوتي الذي ينقل الكلام بالكهرباء عبر الأثير. والخيط بينهما التدفق بالأخبار ما إن يراك مستمعًا إليه .
والشرف المكان المرتفع عن الأرض ومنه الشرفة.وكذا سمو الخلق .والخيط بينهما الرفعة والترفع عن الدنايا .
ولنتأمل كلمة شاطر ، وهي من الألفاظ الدارجة، والكلمات التشجيعية الشائعة في قولهم للطفل وللتلميذ:( شاطر ) ويعنون به الحاذق الماهر ،فما أصل الكلمة لغة ؟ وهل هذا ما تقوله المعاجم عنها؟؟وهل سارت في حياتها وفق قانون التطورالدلالي لألفاظ اللغة؟؟
الجواب المفجع لا!!! بل إن المذكور في كتب اللغة – قديمها وحديثها – هو معنى مغاير تمامًا للمعنى الاصطلاحي المتعارف عليه اليوم. .
شاطر لفظ يعني في كتب اللغة (الخبيث الفاجر) :
وسأحاول في هذه الدراسة أن أجد الخيط الذي أوصل المعنى المستقبح الكريه، إلى معنى محمود محبوب.
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب ( العين ٦/٢٣٤) : ورجل شاطر وقد شطر شطورًا وشطارة وشَطارًا : وهو الذي أعيا أهله ومؤدبه خبثًا .
وذكر أبو بكر الأنباري في كتابه ( الزاهر في معاني كلمات الناس ١/١١٥) أن في معنى كلمة ( شاطر ) قولين عند أهل اللغة : أحدهما (المتباعد من الخير) والآخر ( الذي شطر نحو الشر وأراده) .
وقال الزمخشري في (أساس البلاغة ١/٤٧٦) : وفلان شاطر : خليع , وشطر على أهله : راغمهم .أي هجرهم وعاداهم.
وقال القلقشندى في (صبح الأعشى ١/٢٤٨) :
فالشطار جمع شاطر, وهو في أصل اللغة: اسم لمن أعيا أهله خبثًا.يقال منه : شَطَرَ وشطُر بالفتح والضم شطارة بالفتح فيهما معًا.ثم استعمل في الشجاع الذي أعيا الناس شجاعة ،وغلب دورانه على لسان العامة،فامتهن وابتذل. وكأنه يعني به هنا الماكر ذا الحيل واللف والدوران،حتى الوصول إلى مبتغاه.
وقال الفيروز أبادي في (القاموس المحيط – مادة شطر) : الشاطر مَنْ أعيا أهله خبثًا , وشطر عنهم : نزح عنهم مراغِمًا .
وجاء في المعجم الوسيط : (الشاطر) : الخبيث الفاجر.
وما ذُكِرَ – آنفا – من كلام أهل اللغة هو المعروف المستعمل في كلام الفقهاء والمحدثين وغيرهم , ومن ذلك :
قول ابن معين في ( الحًسين بن الفرج الخياط البغدادي ) : كذاب صاحب سكر شاطر .(الجرح والتعديل لأبي حاتم ٣/٦٢)
وذكر الذهبي في (٨/٤٣٧) عن الفضل بن موسى قال : كان الفضيل – ابن عياض – شاطرًا يقطع الطريق .
وجاء في العامي الفصيح – أحد إصدارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة – الشاطر في العامية : الماهر في عمله ، وفي الفصحى : الخبيث الفاجر .
وجاء في لسان العرب لابن منظور:
(وعند الصوفية : السابق المسرع إلى الله , والفهِم المتصرف)
وقال الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله – في (معجم المناهي اللفظية ) : الشاطر هو بمعنى قاطع الطريق، وبمعنى الخبيث الفاجر ، وإطلاق المدرسين له على المتفوق في الدرس خطأ، فليُتَنبَّه له .
نعم ، (الشاطر) في اصطلاح الصوفية : هو السابق المسرع إلى الله , فانظر كيف سرى هذا الاصطلاح الصوفي إلى تلقينه للطلاب .
وفي وقفة منطقية فلسفية نفسية،امام هذا التغير الجذري لمعنى الكلمة من النقيض إلى النقيض، وكيف انتقل إلى استعمال اللفظ بمعناه الشريف اللطيف المحبب إلى يومنا هذا،
أقول: لعل انتماء المجتمع الديني منذ عقود بعيدة، وقرب الناس من حلقات الذكر، وحبهم للصوفية،جعلهم يستسيغون هذا المعنى للشطارة. ويرون أنها الإسراع إلى طريق الله والسير فيه بحب. فأسقطوا هذا المعنى على كل من يجيد في عمله،ويتفوق فيه.
ولعل تطورًا دلاليًّا جديدًا يطل برأسه في الأفق، فنراهم احيانًا يطلقون على من يستخلص حقه من براثن المغتصب، شاطر.بصرف النظر عن الطريقة التي حصل بها على حقه.
هذا والله أعلى واعلم.
وللجميع تحياتي
التعليقات مغلقة.