اللهجات العربية.بقلم.محمد الدليمي
أن اللهجات قديماً هي اللُّغات المنشقة عن اللُّغة الأم (اللُّغة العربية)، وهذا الانشقاق قد أضيف إليه بعض الحروف أو الخروج عن القاعدة اللغوية (علم الصرف)، فكان هو من الانطباع على اتساع قاعدة اللُّغة، وأنه في الحقيقة غير ذلك تماماً، لأنه نوع من أنواع التحريف في اللُّغة. ودليل ذلك إنَّ جميع تلك اللهجات قد انقرضت وتلاشت مع مرور الزمان. أما ما كان منها في اتساع قاعدتها الصرفية أو النحوية فهو باق لا يتغير حتى نجد ذلك في القرآن الكريم، والكتب الموروثة في اللُّغة؛ فاختلاف علماء النحو في الرأي على قاعدة نحوية لا يفسد الرأي في ذلك الموضوع، وإنما ما كان فساداً هو ما جاء على غير القاعدة النحوية اقتبست قديماً، ويتبيّن فساد تلك القاعدة بأنها تحتمل عدة تأويلات أو وجوه في الإعراب، وهذا دليل على فساد تلك القاعدة، لأن علم النحو من العلوم الجليلة التي يتبيَّن فيها المقصود والغاية التي ينشدها.
والقاعدة النحوية لا يمكن أن تتحمل وجوهاً مخالفة لما يتضمنه النص العربي، وإنما القاعدة النحوية هي أظهار ما خفية عن الإعلان به، أو ما اشتبه فيه، ونجد ذلك كثيراً في قراءة القرآن الكريم من قبل جاهل في علم النحو، كما في الآية التي سمعها الإمام أبو الأسود وكان قارئ يقرأ على قارعة الطريق: (إن الله بريءٌ من المشركين ورسولِه) بكسر اللام من رسوله، وتكون بهذا معطوفة على المشركين، والمعنى: إن الله بريءٌ من المشركين وبريءٌ من رسوله وهذا عكس المعنى المقصود. فلما سمع الإمام أبو الأسود ذلك هاله الأمر وقال: حاشا لله أن يبرأ من رسوله، وزجر القارئ وافهمه الصواب( ). وعلى هذا القياس نجد المفهوم الحقيقي من القاعدة النحوية.
وخلاصة القول: إنَّ القاعدة النحوية التي تتحمل وجوهاً مختلفة، باختلاف المقصود من النص فهي قاعدة نحوية فاسدة، أما التي تتحمل وجوهاً عدة مع بقاء المقصود وغايته على المعنى المنشود فهي قاعدة نحوية صحيحة لا شبهة فيها.
من كتابي اللغة مبنى ومعنى
التعليقات مغلقة.