“الليلةالثامنة من مئة ليلة وليلة” ثورة الأواني الفارغة
الجزء الأول بقلم/ نجوى عبد الجواد
دخلت زوج البروفيسور عليه مكتبه مقدمة له طبقا من الكنافة وكوبا من الشاي، وبدلا من شكرها سألها سؤالا مفاجئا :ترى يا سلمى كيف علاقتك بأواني مطبخك؟
بسخرية :علاقتي بماذا؟!
ظننتك تسألني عن علاقتي بزملائي، جيراني، أصحابى، أما أواني المطبخ فلم أتوقع أن أسأل عنها. يبدو أن لكثرة القراءة نتائج أخرى أرى إحداها الآن.
ابتسم لها وقال :فلتسمعي قصة الليلة إذن.
كلي آذان مصغية.
يمنحها وردة كانت أمامه ويقول هامسا :مع الجمهور يا عزيزتي.
رمضان مبارك أحبابي، في مثل أيامنا هذه منذ سنوات مضت دارت قصة الليلة كما يشير مؤلف مئة ليلة وليلة. لم يعلمنا منتصر بمصدر قصته هذه هل عاصر بعضها وأضاف خياله البعض ؟، هل حُكيت له؟، هل أُرسلت له على صفحته؟لم يهتم هذه المرة بذكر مصدرها صراحة، إنه صدّرها بقوله :هل تشعر بك حاجياتك؟! هل يشاركك الجماد محنتك وفرحتك؟! سواء أجبت بنعم أولا تعالي معي إلى قصتنا الجديدة “ثورة الأواني الفارغة”. يعلق بروفسور محمود موجها حديثه للحضور :هيا ندخل لعالم منتصر الليلة كما حكي في كتابه”. “منذ سنوات مضت كنت وأخوتي في الواجهة، نُعامل بتقدير، نُحمل برفق، نحتل الصدارة، وأول من يُقبل عليه من الزبائن. كنت وأخوتي نطرب من قصائد المدح التى تقال فينا من أصحاب المحلات؛ والتي على إثرها تسرع الزبائن باقتناء بعضنا. صرنا سكان معظم مطابخ المدينة، بنسخ تناسب الغني والفقير. تتنهد وتكمل، اليوم إذا بحثت عنا يمكن أن تجدنا في المحلات التي يطلقون عليها شعبية، وإن حفظت لنا بعض المحلات الكبرى العشرة الطويلةفإنها تبقى علينا في زاوية خلفية داخل كراتين نتراص فوق بعضنا البعض، ولا نعلن عن ذواتنا إلا من خلال صورنا على الكراتين. المستورد في المحل يعلن عن نفسه بكل فخر مبينا مزاياه كاشفا عن مفاتنه، مع معلومات تشير جميعها إلى أننا فقدنا المنافسة معها أمام صاحب المحل وأمام الزبائن . للجديد رونقه وليبحث القديم عن أهل زمانه الذين ولّوا. أيقظتنا أشعة الشمس التى سرت إلى داخل المحل، صوت زبائن يدخلون، لاجديد، المحل كبير ورواده كثر، لنا كل يوم قصص وحكايات مشتروات تحمل إلى الخارج وبدائل لها تدخل، ونحن لانحرك من مكاننا.
أصيل صاحب المحل تحمَّل بقاءنا كثيرا. شابة تترك جوار أمها التى تسمرت أمام جمال الأواني الجديدة وأمام قصائد المدح من البائع واقتربت من الركن الداخلي الذى ننزوي فيه، اقتربت أكثر وأكثر وأخذت ترفع غطاء الكرتونة، دخل إلينا الهواء، أخذنا نتنفس، أخيرا شعرنا بنسيم الصباح ودخلت إلينا أشعة الشمس. أمي.. أمي سوف آخذ طقم الحلل هذا. سرت بهجة حذرة بيننا، توقعنا أن ترفض الأم وتتمسك بالمستورد خطوات الأم تقترب وتقترب، تنظر إلينا وإلى ابنتها وتحرك رأسها مستفهمة :تتركين كل ما في المحل و تختارين أواني من عصر جدتك!
أحببتها يا أمي، أشعر أنها تشبهني، تشبهنا، محلية الصنع مثلنا، أشم فيها رائحة جدتي.
ما هذه الفلسفة؟ سيظن أهل العريس أننا اخترنا لك الأرخص سعرا.
فليظنوا كما يشاءون، أنا من سيستخدمها، ستصير رفيقتي سنوات وسنوات ويجب أن أحبها وهذا ما حدث.
فلنأخد معه طقم آخر حديث طالما مصممة على هذا.
لم أطلب ولكن كما تريدين.
أخيرا شاهدنا شوارع المدينة وتركنا هذا الركن الخلفي الذى ظننا أننا لن نتركه أبدا. إلى بيتنا الجديد، مطبخ العروس، في المقدمة وضعتنا والطقم الآخر في الخلف! أحببتها تلك الأليفة الجميلة و أحببت زوجها الذى لم يعلق ولم يسخر من استخدامها لنا. ما يزعجنا بحق هو ذلك المشاغب الذى ما إن نفرغ من الطعام حتى يقوم بحملنا خارج المطبخ.
آه يا ظهري، آه يا رأسي، أظنني تفعصت بما فيه الكفاية وكذلك أخوتي. حينما يحملني بصعوبة وأسقط من يده ثم يحملني مرة أخرى أود حينها أن أصرخ، دعني أحملك أنا أيها المشاغب الذى ملأت الدنيا ضجيجا وفوضي، حطمت أضلعنا بما يكفي، حنانيك يا سيف. لاتكتم الأم الصغيرة إنزعاجها مما يحدث لنا من سيف ذي الأربع سنوات، نتراص في الصالة بجوار بعضنا البعض يملأ إحدانا بالماء ولابأس من وضع ما يعثر عليه من خضروات بداخل إحدانا وبالمغرفة يحرك ويوزع الخضروات بالتساوي بيننا! ولا مشكلة في محلول ملحي ينتهي بعده الملح من البيت أو محلول سكري تعنفه أمه بعده على هذه الخسارة ولابأس بأحذية والديه لتأخذ حقها من النظافة بداخلنا!
وقفت الأم الشابة في صفنا ودافعت عنا لكن الأب يضحك ويقهقه ويقول :دعيه يلعب، هذه أواني أصيلة صبورة ستتحمل، الجدات تحملوا كثيرا، يستمر في الضحك، وأوانيهم مثلهم. أنظر إليه بغيظ، لم تتغير كلماته ولا ضحكاته حينما انضمت جهاد لسيف وسلكت مسلكه. كان ما يصبرنا حب وفاء لنا وحرصها على تنظيفنا ووضعنا في المقدمة دائما. كانت تجيد الطبخ وتضع لمساتها الجميلة على أي طعام تصنعه بداخلنا. يوم السماقيةوالمقلوبة أُحمل من قبل سيف وأوضع على المائدة حتى يطمئن أننى بجواره حتى يشبع. وبرغم تعبنا فسمرنا وأخوتي يكون عن سيف وأسرته والحيوية التى نتمتع بها معهم.
ليتني لم أبق لهذا اليوم..
التعليقات مغلقة.