الليل الدامي…فاطمه مندي
كعادتها تزورهم الجارة كل مساء، تصطحب النسوة من غير موعد، أو ربما اعتدن على هذه الزيارة اليومية، كلما تدخل تلك الجارة الطيبة مع الرفقة من الجارات، يغادر الأب البيت, يذهب قهوة علي قارعة الطريق , ولا يعود حتى منتصف الليل، يجدا لأم نائمة، بعد أن كانت تجالس الجارات.
في ليلة الخميس، لا يرغب الاب بالنزول الى القهوة ، فقد كان يشمأز من قدوم تلك الجارة ورفيقاتها، فيحوم كطائر فقد عشه في باحة االمنزل، كانت أغلب حكاياتهن معادة كأغنية اعتاد على سماعها مجنون حارتهم, يشربن الشاي ويأكلن الكعك المحلى، كانت أحداهن تشرب سيجارتها مع كوب الشاي، الاخرى تدس في فمها عشب لا نعرف نوعه، أما تلك صاحبة العينين الزرقاوتين والتي تشبه وجه الممثلة أمينة رزق فهي حكاوتي جلستهن.
وتقول إحداهن :أتذكر عندما كنت صبية لم ابلغ الحلم كنت اجلس بالقرب من أمي وهي تستمع الى حكاية الصعيدي وقدوره الثلاث، واتذكر حكاية الملك الذي أنتفخت بطنه عندما أكل عشب شجرة غريب تورم وقد عجز الاطباء عن علاجه، شقوا بطنه فوجدوا فيها بعقايا اورق تلك الشجرة، فما زالت ذاكرتي الى تلك الساعة تحتفظ بحكاية الباب.
تحكي تلك الجارة:
أن رجلا في قرية يسودها الصمت، وكان كبيرهم الذي كان أعدل رجال القرية واكثرهم رزانة واعمرهم شيخوخة، فلا أحد يعرف سبب موته المفاجئ ، فمنذ يوم أمس كان يتجول بعصاته الخيزران على تلة الترعة، وعند منتصف الليل سمعت القرية بنسائها ورجالها واطفالها صراخ وعويل من بيت كبير القرية.
في صباح حزين التحفت الرجال وجوههم بالحزن والنساء تخط بأذيال اثيابهن يتبعون الجنازة الى مقبرة جبل القرية، ثمة من صلى على الجنازة عندما وضعوها قرب القبر الذي حفروه وسط المقبرة على تلة عالية تعلو قبور موتى القرية.
أجتمعت القرية على كبير أخر، ثمة من يختار بن الكبير، واخر من أختار( سعيد الطيب)، انقسمت القرية، ثم أتفق الغالب منها على أبن كبيرهم.
كان الابن( عبد الرحمن) لا يعرف سوى النساء والمال، كان يكره سعيد الطيب كما يكره الحوت الازرق دلافين البحر الابيض.
البسوه عمامة سوداء، واعطوه خيزرانة غليضة، وقد أمر بخفيرين أن يجمعوا له كل رجال القرية؛ لبيعته على كبارة القرية ورأستها، كان (سعيد) قد لزم داره وأبى الحضور مع رجال القرية أمام قصر الكبير.
كانت زوجة (سعيد الطيب) بشهرها السابع، فعندما علم الكبير (عبد الرحمن) أن سعيدا لم يحضر مع رجال القرية ، أمر بأحضاره مجبرا ، لكن سعيد رفض المجيء ، بل زجر خفيري الكبير .
عند ظهيرة شديدة الحر نام (سعيد) كعادته قرب الحظيرة ، سمعت زوجته أن علي الباب رجالاً يطلبون خروجه ، وكانوا يمسكون بنادقهم وعصيهم ، وهم ينددون بخروجه من الدار وإلا يحرقونها ، امسك( سعيد) عصا وهم بالخروج لكن زوجته تمسكت به وتيبست راحتيها علي قدمه ، وراحت تتوسل بأن يبايع (عبد الرحمن) ، تعالت طرقات الباب، وتعالى صراخ الزوجة الحامل, توسط
(سعيد) في باحة داره وهو يمسك عصاته مستعدا لمعركة مجبراً عليها ولا بد منها، وقفت الزوجة خلف الباب بعد أن عزم رجال القرية علي خلع الباب، أمسكوا بجذع نخلة وضربوا الباب الذي كانت خلفه زوجة سعيد الطيب ؛ كي تمنع خروجه أنخلع الباب من كلابيبه، وضرب مزلاجه بطن الزوجة، وقد أخذوا سعيد مكبل بالحبال وزوجته ملئت الدار بدمائها الداكن بالحمرة كحمرة غروب القرية الدامي.
التعليقات مغلقة.