“المارثون الأمريكي “مشهد عالمي له معاني هم فاعلون ونحن منفعلون والتفاعل من الإعلام
“المارثون الأمريكي “مشهد عالمي له معاني هم فاعلون ونحن منفعلون والتفاعل من الإعلام
بقلم الدكتور قاسم المحبشي
وأنا اتابع مجريات المنافسة الانتخابية الحامية الوطيس بين الجمهوري دونالد ترانب والديمقراطي جوزيف روبينيت بايدن الأمريكيان مثلي مثل ملايين الناس في هذا العالم الذين يتابعون المارثون الأمريكي الموسمي باهتمام منقطع النظير عبر وسائط الاتصال الاجتماعية والأقمار الفضائية والإعلام المرئي وهم/ هن/ في منازلهم أو مكاتبهم وفي كل مكان من المدن والأرياف في هذا الكوكب بجهاته الأربع؛ يتابعونها بارادتهم الحرة وباهتمام شديد ويتفاعلون معها بردود أفعال متنوعة وكأنما هي تعنيهم عناية مباشرة أو غير مباشرة. تأملت في معنى تلك الظاهرة من زواية نظر فينومينولوجيا فوجدتها أقصى تعبير عن معنى العولمة ومدراتها المتنوعة بوصفها أنكماش الزمن والمكان على هذا الكوكب المسكون بالناس، إذ يعد الإعلام الجديد أحد مظاهرها وأبرز مقاوماتها الراهنة، إذ بات العالم شديد التداخل والتواصل والتفاعل في فضاء إعلامي تواصلي تفاعلي مستمر.. أي أنه بفعل ثورة الاتصالات والمعلومات وانتقال الصوت والصورة عبر موجات الأثير سيكون العالم مجالاً للرؤية ومكاناً مكشوفاً للجميع. وبذلك تحطمت كل الحواجز والحدود التي كانت في الماضي القريب تفصل بين القارات والشعوب والدول واللغات والثقافات، حيث يمكن للناس أن يتبادوا تحية الصباح كل يوم من طرف الأرض إلى طرفها، بل يمكنهم أن يتحاوروا ويتخاصموا ويتقاتلوا في أية لحظة، كما يحدث في القرية الصغيرة في أقصى الريف. فالعولمة – إذن – هي العالم وقد أصبح قرية صغيرة يعرف أهلها عنها كلَّ شاردة وواردة، كل صغيرة وكبيرة، نظرا لدخول الإعلام كشريك أساسي في التنشئة الاجتماعية وفي تكوين الرأي العام من جهة، واستحواذ وسائل الإعلام الجديد في الوقت الحاضر على اهتماماتنا وانتباهنا، ومحاصرتها لنا في أي مكان نذهب إليه، وفي جميع الأوقات من جهة أخرى.. بحيث بتنا معرضين – أكثر من أي وقت مضى – لمضامين ما نشاهده أو نسمعه أو نقرأه يوميا من الرسائل. فإذا كان أبسط تعريف للعولمة هو (العالم بعد انكماش الزمان والمكان)، فإن الموكد أن الإعلام الجديد كان له الدور المحور في بلوغ هذا الانكماش، إذ إن التكنولوجيا الرقمية لم تِحدث فقط تحولاً في العالم، بل تمكنت من خلق عالمها المجازي أيضاً، فأقمار الإرسال التلفزيوني الصناعية اليوم مكنت الناس على طرفي الكوكب من التعرض بانتظام لطائفة واسعة من المحفزات الثقافية. فالمشاهدون الروس متعلقون بالتمثيليات التلفزيونية الأمريكية وقادة الشرق الأوسط، يعتبرون محطة الـ(سي إن إن) مصدراً رئيساً حتى للمعلومات والأفكار. فالموسيقى الأمريكية والأفلام الأمريكية والبرامج التلفزيونية أصبحت شديدة الهيمنة ورائجة جداً ومشاهدة جداً حتى إنها تتواجد في كل مكان على الأرض بالمعنى الحرفي للكلمة. وهي تؤثر فعلياً في أنماط وحياة وتطلعات كل الأمم، وهكذا لم تعمل العولمة على خلق عالم موحد، فهي ليست مرادفاً للتعبير (عالم واحد)، بل هي تتجه أكثر فأكثر إلى خلق نظام متشابك لعوالم متصلة، أي مرتبطة فيما بينها. إن العالم بوجود الإعلام الجديد لم يعد يدار بالأسلحة أو الطاقة أو المال، بل إنه صار يدار بالأرقام والرموز الصغيرة … وأن هناك حربا تحدث الآن … إنها ليست من يملك رصاصاً أكثر أو أسلحة فتّاكة، إنها حول من يسيطر على المعرفة بمعناها الواسع، علم ونظريات ومناهج ومعلومات وثقافة واعلان وأخبار: ماذا نسمع أو نرى، كيف نقوم بعملنا؟ وكيف نفكر؟ فماذا يمكننا قوله للعالم؟ وماذا نمتلك من طاقة معرفية علمية مفيدة قادرة على المنافسة؟ إن الإعلام الجديد وادواته وخصائصه المتزايد النمو والاتساع في الفضاء الرقمي بات سيفا ذا حدين؛ إذبقدر ما لهذا النجاح من آثار إيجابية على تقديم وإيصال المعارف دون حواجز ودون قيود، بقدر ما له العديد من الآثار السلبية على حياة المجتمعات المستهلكة التي لا تمتلك ثقافة علمية وتقنية راسخة للتعامل مع قيم وأدوات العلم والتقنية المعاصرة. والرابط في أول تعليق
التعليقات مغلقة.