المسار
ابراهيم معوض
(يضاء المسرح على غرفة شحيحة الأثاث، يتوسطها مكتب متوسط الحجم يجلس خلفه المحقق بقامة ممشوقة ووجه مبتسم صبوح وزي أنيق، و على اليمين مكتب أصغر يجلس خلفه ( الكاتب) خمسيني يبدو عليه الإرهاق يرتدي الزي الحكومي الأصفر، ويضع الطربوش الأحمر على رأسه ويخفي عينيه بنظارة طبية سميكة، يمسك بالقلم وكأنما يتأهب للتدوين في الأوراق، تتناثر الملفات على الأرض حول المكتب الصغير بشكل عشوائي)
يدخل من الكالوس الأيمن حارس الباب في زيه الأميري وفي يده المتهم رجل طاعن في السن مقوس الظهر يرتدي جلبابا رثا ممزقا يتوكأ على فرع شجره قطع حديثا وما زالت به بعض الأوراق.. يطرق الحارس الأرض بقدمه ويرفع يده بتعظيم سلام فيشير إليه المحقق بالانصراف فيتحرك خارجا تاركا خلفه المتهم أمام المكتب فيشير إليه المحقق فيجلس ويبدأ التحقيق
المحقق- ما اسمك وما سنك يا رجل
المتهم بلا تردد حسن حافظ ..وعمري طويل وكأنني آدم ولكن بعد كل طول نقصان حتمي؛ إذن أنا على مشارف الموت..
المحقق وهو يشير إلى الكاتب كي يكف عن التدوين
-ما هذا يا رجل ما سألتك إلا عن أسمك وعمرك..
المتهم وها قد أجبتك..
المحقق بغضب..ما أبغضها من إجابة اشعرتني أن عزرائيل يقف علي بابي..
المتهم بهدوء انه يقف علي بابي أنا.. لقد فهمتني خطأ..
صمت قليل يفرك فيه المحقق كفيه ثم يشير إلى الكاتب ويأمره بمعاودة التدوين
المحقق-يخلى سبيل المتهم بضمان محل إقامته..
ثم يعاود النظر إلي المتهم قائلا
المحقق-أعطني العنوان وانصرف..
المتهم بنفس الهدوء مقابر الصدقة…
المحقق وهو يشير للكاتب بنفاذ صبر
المحقق-توقف عن كتابة هذا السخف، يكفي ما كتب سابقا في أوراق الحكومة من هذيان…
المتهم أنا لا اهذي يا سيدي أنا فقط أجيب
المحقق يا طيب أنا أريد أن أخلي سبيلك فساعدني..
المتهم-وهل سبيلي في يدك كي تخليه؟ لقد ساعدتك فعلا وما إمتنعت عن إجابة سؤال واحد
المحقق-من الذي ألقى القبض عليك؟ ومن أي مكان أتى بك
المتهم أليس مكتوبا عندك في الأوراق أسمه والمكان
المحقق لقد أغلقت الأوراق وأود أن أسمعك كحوار ودي..
المتهم تمام. لقد قبض علي رجل ومعه رجلان..
المحقق-ما هذا؟ تقصد ضابط ومعه جنديان
المتهم-أقصد نسر ومعه بندقيتان..
المحقق-من أى مكان أقصد وجدوك تلوث أي شارع
المتهم وجدوني ادنس الأرض ببقايا اطعمتي التي جاد علي بها أهل الله..
المحقق-أين كان ذلك
المتهم-في ارض الله والطعام نعمة الله والمحسنون يفعلون لله… فما جريمتي وفي حق من
المحقق-يا سيدي انها جريمة في حق الدنيا كلها ولكنى سوف اخلي سبيلك فقط أعطني ضمانا استند إليه قانونا.. عنوانا ..محل عمل..
المتهم-قلت لك ولم تصدقني.. عنواني الشارع الذي لوثته ونهايه مطافي مقابر الصدقة وما بينهما مجرد تحقيقات وقضايا وجرائم..
ينظر المحقق إلى الكاتب يأمره بلهجة غاضبة
المحقق- هيا أفتح أوراقك وأكتب. .
يتم إيداع المتهم في دار رعاية المسنين بعد عرضه على مستشفى الأمراض العقلية لاجراء الفحص اللازم ..
يضحك المتهم بصوت عال مرددا
المتهم يحيا العدل يحيا العدل..
المحقق- تضحك سعيدا بعدما علمت أن الحكومة قادرة على تغيير مسارك من الشارع إلى مقابر الصدقة
المتهم- وبجرة قلم من هذا الكاتب
التعليقات مغلقة.