المسبحة قصة قصيرة بقلم حنان الهواري
هاله انفراط عقد مسبحته الخرزية، وتدحرج حباتها تحت قدميه.
حاول أن يتمسك بما تبقى في يده ولكنها آثرت الهروب من خشونة راحته.
هم بالخروج متخطيا العتبة الحجرية، يلطمه ضوء الشمس راشقا عينيه ببلوراته البيضاء؛ لينعكس ظلها على تجاعيده العميقة.
إنتبه على إصطكاك حباتها المكتنزة بالأرض الصخرية. شعر بضيق شديد، فهي تميمة حظه، لم يتركها من يده منذ أن إشتراها بآخر خمسة جنيهات أتى بهم من قريته.
كان حينها شابا غرا قد هبط إلى القاهرة بعد أن ضاقت به بلدته الريفية، ولم يجد فيها عملا يروض طموحه إلى أن عمل صبيا في محلا للعطارة في حي السيدة.
انحنى يلاحق حباتها التي تعدو كأفراخ صغيرة في إتجاه حاجز الباب الحجري.
جمعها في جيب عبائته وعاد أدراجه؛ ليصعد درجات السلم. وضع ذراعه على كتف الدرابزين؛ ليحمله صاعدا إلى شقته.
تساقطت حباتها في حجر زوجته العجوز وهي تنقل بصرها ما بين وجهه المعتم و بنات مسبحته القتلى .
وعندما إنتهى قال لها: إجمعيهم في خيط حرير وجمدي العقدة، متنسيش إن قطعها نذير سوء وأكيد حاجة في حياتنا غلط.
لمعت عينا إمراته قائلة: إزاي تقول كده يا حاج! أنت راجل بتاع ربنا!
لم يزد على ما قال ومضى ساحبا الباب في يده وهم بالنزول ولكنه توقف، تلفت حوله ثم إستدار؛ ليدخل شقة في أخر الرواق.
دخل على أطراف أصابعه؛ ليجدها مستلقية في فراشها، وضع يده على رأسها حاسرا شعرها الغجري عن وجهها الفاتن.
تملمت ونظرت إليه بتعجب قائلة: الحاج!!
كده في عز النهار!! وأكملت مصمصة شفتيها قائلة : مش خايف أم العيال تشوفك، رمقها قائلا: هي عارفة أنك في رعايتي.
ساوى طرف السرير بيده المتغصنة وجلس بعد أن اعتدلت؛ لتجلس قبالته ثم بادرها قائلا: السبحة انقطعت يا لوزة، كنت عارف إن فيه حاجة غلط فكان لازم آجي أصالحك.
قفزت أمامه بخفة فهد قائلة : يعني خلاص هتعقد عليا يا حاج وهبقى مراتك حلالك .
أومأ برأسه؛ لتخرج الكلمات صريعة من بين شفتيه:
هنكتب عرفي يا لوزة وهنفضل في السر وإحمدي ربنا. قومي هاتيلي السبحة التانية، عاوز ألحق صلاة الجمعة ومتنسيش الغدا عند الحاجة.
النهاردة لمتنا مع العيال في الموسم كل سنة وانتي طيبة لازم يحضروه في رحابها، وتمايل برأسه مرددا : شاالله يا طاهرة يا أم العواجز يالي رفقة مقامك دوا .
التعليقات مغلقة.