المش مهندس دي ليسبس
د.أحمد دبيان
تحكى الأسطورة فى بلد الأساطير والخرافات المعلمنة ،
ان مولانا فرديناند دى ليسبس قدس الله سره كان مهندساً عبقريا ً وانه وبعبقريته المتفردة ، قد خطط حفر ترعة السويس المشهورة بقناة السويس ،
وانه قد تلافى اخطاء المهندس الفرنسى لوبير الذى صاحب الحملة الفرنسية ، والذى اعتقد خطأً ان البحر الأحمر أكثر ارتفاعاً من البحر المتوسط ، و بالتالي عدم جدوى الفكرة والمشروع .
ظل هذا الاعتقاد سائدا حتي جاءت جماعة السان سيمونيين إلي مصر ( نسبة إلي هنري سان سيمون الفرنسي رائد الاشتراكية المثالية ) و أعادت دراسة المشروع و أثبتت أن البحرين في مستوي واحد و أنه يمكن شق قناة بينهما .
الواقع ان دى ليسلبس لم يحصل على اى درجة اجازة فى الهندسة ولم يكن أبدا مهندسا وإنما وبتوصية من ابيه قنصل فرنسا ماثيو ديلسبس فى مصر وبعلاقاته مع محمد على تم تعيينه مساعدا للقنصل بعد انتهاء مهمة الاب فى مصر .
اطلع دى ليسلبس على دراسات السان سيمونيين والتى اثبتوا فيها خطأ المهندس الفرنسى لوبيز وإمكانية شق ممر ملاحي ما بين البحرين الأحمر والأبيض .
كان المهندس النمساوي “لويجي نجريللي” فعلياً هو أول من صمم مشروع قناة السويس ووضع اللمسات النهائية لإتمام المشروع .
ولد نجريللى في الثالث عشر من يناير عام ١٧٩٩ بمنطقة تورنتو في النمسا، وقد بدأت فعلياً فكرة تصميم مشروع قناة السويس تتبلور في عقله فى عام ١٨٣٠ .
فى عام ١٨٤٦، أرسل “نجريللي” مجموعة من المهندسين للقيام بعمليات القياس الأولى للمشروع وإنجاز الرسومات النهائية للتصميم بغرض إنشاء قناة مباشرة دون سدود.
ولسوء الحظ وأثناء تجهيز نجريللي المشروع داهمه المرض وتوفي بسبب اضطرابات في الكليتين وفشل كلوى في الأول من أكتوبر عام ١٨٥٨ قبل ستة أشهر من بداية حفر قناة السويس، وترك جميع رسومات وتصميمات المشروع بحوزة أرملته والتي احتفظت بها كثروة ومجد خلد حياة زوجها بعد مماته وذكرى لحلم كاد يغير العالم في مجال التجارة والنقل البحري، الحلم الذي ربط أجزاء العالم ببعضها.
ذهب “فريناند دي ليسبس” لأرملة نجريللي لشراء رسومات وتصميمات حفر القناة منها تمهيدا لبدء المشروع فعليا على الأراضي المصرية، وخدعها بانه بصدد تحقيق حلم زوجها الذي منعه الموت من إنجازه ورؤيته، فوافقت الزوجة على بيع الرسومات والتصميمات مقابل 20 ألف فلورين ، ونسب دى ليسبس المشروع لنفسه .
استطاع ديلسبس الحصول على حق امتياز حفر قناة السويس من الوالى سعيد باشا والذى ارتبط بصداقة شخصية معه اثناء إقامته مع والده ماثيو دى ليسلبس قنصل فرنسا فى مصر فى عهد محمد على ، وكان مفتونا بأطباق المعكرونة الشهية التى تعدها اخته .
يحدثنا كتاب أفندينا يبيع مصر ،
للكاتب الكبير محسن محمد ،
كيف انه كانت من بنود امتياز الحفر والتى اشترطها الجانب المصرى جلب حفارات وكراكات لحفر القناة ، واخل المرابى الاستعمارى الجشع ديلسبس بالعقد وبعلاقاته بالخديوي حول الحفر لسخرة بسواعد الفلاحين المصريين .
ديلسبس كان العامل الأساسى فى فتح باب الاستدانة للخديوي اسماعيل، وكان سمساراً فى صفقة بيع اسهم مصر من القناة والتى قام بها الخديوي تغطية لنفقاته الشخصية ، وانتهت الى ان أصبحت القناة دولة داخل الدولة ،واحتلالاً كاملاً بمالية ذاتية وجهاز مخابرات قائم بذاته ينسق مع اجهزة المخابرات المعادية ومن ضمنها اسرائيل بعد قيامها .
ديلسبس كان صديقاً للطحاوى أشهر خونة عرابى والذى دل الانجليز على معسكراته بعد ان خدعه بان الانجليز لن يقوموا بالهجوم .
ديلسبس كان احد الأسباب المباشرة للاحتلال الانجليزى لمصر بعد انشغال فرنسا بسقوط بونابرت الثالث ، واحداث كومونة باريس ، واحتياجه لتأمين دولته ومملكته الاستعمارية فى القناة، وخدع القائد احمد عرابى الذى فكر فى تعطيلها كى لا يستخدمها الانجليز وخدعه ديلسبس بحياد القناة ، فالتف الانجليز والذين هزموا فى كفر الدوار ،واستطاعوا اجتياح عرابى فى التل الكبير وكان الاحتلال الذى جثم على مصر قرابة السبعين عاماً .
ديلسبس استطاع بعلاقاته الحصول على امتياز حفر قناة بنما، ففي عام 1878م، منحت كولومبيا الفرنسي لوسيو نابليون بونابرت وايز، الحق في شقّ قناة عبر بنما. إلا أنه باع هذا الحق إلى شركة فرنسية برئاسة فرديناند ماري ديلسيبس، كما اشترت الشركة الفرنسية أيضًا حق السيطرة على سكة حديد بنما مقابل عشرين مليون دولار أمريكي، وبدأت الشركة الحفر عام ١٨٨١
. وخططت بحيث تكون القناة على مستوى سطح البحر لتربط بين المحيطين الأطلنطي والهادئ، وبهذا لا يحتاج الأمر إلى بناء أهوسة.
ولكن للصوصيته وسرقات بالجملة وافتقاد شركته للمهندسين المختصين ، ومحاولته الالتفاف على بنود العقد ، وعدم احضار حفارات .
السفاح ديلسبس ، اتخذ من تجربته فى مصر معيارا لمشروع قناة بنما وشقها ، فكان افتقاد الرعاية الصحية فى بنما بل والمغالاة فى اجر الذهاب للمستشفى بحيث قد يكلف الذهاب اجر يوم كامل ما جعل المرضى من العمال يعزفون عن الذهاب للمستشفيات و حسب كتاب
The path between the seas
the creation of the panama canal
David Mccullough
مما ادى لتفاقم وباء الحمى الصفراء
Yellow fever
وقد اصاب الوباء عائلة كبير المهندسين الفرنسيين دينجلر فماتت ابنته وزوجته وولده .
تم التلاعب فى سجلات الوفيات فى اوراق الشركة الرسمية برئاسة ديلسبس بحيث كان لا يتم تسجيل حقيقى لعدد الوفيات ، وكان يتم رشى الوزراء فى حكومة كليمنصو بواسطته .
وحين تحرك الرأى العام الفرنسى بعد زيادة الذين توفى ذويهم كانت محاكمة فضيحة بنما والتى حكم فيها بالسجن على الوزراء وديلسبس ..
بلغ عدد الوفيات فى قناة بنما اثنين وعشرين الفا
فرديناند ديلسبس كان ينفذ مشروع قناة بنما وهو يستحضر فى ذهنه تجربة حفر قناة السويس وتجاوزاته فيها ، حيث لم يحظى عمال قناة السويس بالحد الادنى من الرعاية الصحية فمات قرابة المائة الف والذي يحاول اليوم الشماشرجية الجدد التقليل من اعدادهم ولكن بالمقارنة مع ضحايا قناة بنما والنسبة السكانية وقتها ، نستطيع ان نزعم ان الرقم قد يفوق المائة ألف بكثير .
ولان الرأى العام المصرى لم يكن ليستطيع الضغط والتحرك كما الرأى العام الفرنسى حيث ان السفاح ديلسبس كان يحظى برعاية السفاح ولى النعم ، مات الآلاف فى حفر قناة السويس وتصدر تمثاله مدخل القناة .
و يحاول اليوم احفاد السفاح مع الكثير ممن وهنت الذاكرة الوطنية لديهم ، لتظهر الدعوات المشبوهه لاعادته لقاعدته فى تحد لذاكرة النضال بعد نسفها وازالة التمثال ، اثناء العدوان الثلاثى فى حرب السويس .
التعليقات مغلقة.