موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

المصباح التالف بقلم د. إبراهيم مصري النهر أخصائي الأمراض الصدرية

147

المصباح التالف بقلم د. إبراهيم مصري النهر أخصائي الأمراض الصدرية


وجدته عند باب العمارة في منتصف النهار، تبضع بأكياس كثيرة يضعها بجواره على بسطة الدرج، يقف ليلتقط أنفاسه وكأنه ينتظر مجيئي. طاعن في السن، أظن أنه في أواخر عقده السابع، لكنه ما زال يحمل أثر وسامته وطابع أناقته؛ مهندم في لبسه، يرتدي معطفا -لا قدرة لعظامه الواهنة على تحمل لسعات البرد- ويضع حول عنقه وشاحا يغطي أذنيه، حلق ذقنه بعناية؛ برغم التجاعيد التي استوطنتها لم تترك الشفرة أي جرح أو شعر إلا بعض شعيرات ناشز على وجنتيه، وهذب شاربه الأبيض، لم يترك أي شعرة تشذ عن الخط المرسوم طولا أو ارتفاعا، وحذاؤه مطلي بالورنيش وممسوح جيدا.
تبسم عندما رآني وقال: لقد ساقك إليَّ القدر.
-على الرحب والسعة يا عمي.
-أأنت الساكن الجديد في العمارة الذي يسكن الطابق الثالث؟
-نعم، أنا هو.
-أنا أقطن في الطابق الثاني أسفل منك، وقفز وجري أطفالك يصلني.. وانحنى ببطء ليرفع الأكياس، أسرعت قبله وحملتها، حاول جاهدا أن يثنيني ولو عن بعضها ولكن باءت كل محاولاته بالفشل أمام إصراري.
أثناء صعود الدرج، تأسفت له عن ضوضاء وصخب أطفالي، ووعدته بإصلاح هذا الخلل وأوفر له الهدوء بقدر الإمكان.
ضحك، ولم يستطع أن يتحدث بعدما علت أنفاسه من صعود الدرج وكنا قد وصلنا باب شقته.
وضعت الأكياس وهممت بالانصراف.
بينما هو يفتح الباب؛ يمسك المقبض بيده اليسرى ويحاول بيده اليمنى المرتعشة وضع المفتاح في مكانه، باغتني صوته: لحظة من فضلك، أستأذنك أن تغير لي مصباح الصالون التالف.
ولجنا الشقة، الشقة نظيفة ومرتبة، أثاث الصالون يبدو عليه الفخامة برغم قدمه، قماشه نظيف وإن خبا بريقه بعض الشيء.
من قلب هذا السكون أتى صوته من بعيد: دقيقة واحدة يا بني.
انتظرت، ربما يبحث عن المصباح الجديد، وإن كان ما أراه من عناية ونظافة ودقة وترتيب للأثاث ينم عن أن أمثاله لا يضيعون وقتا ولا جهدا في البحث عن الأشياء.
أسمع وقع أقدام أطفالي فوق رأسي، في الحقيقة شيء محرج ومخزي.
لم أمكث طويلا إلا ولاح بدر وجهه مشرق بابتسامة هادئة بلا تكلف كحياته تماما وفي يده طبق به فنجان من القهوة، بخاره تفوح منه رائحة الكرم، وفخاره يشي بالأصالة والقِدم.
أسرعت إليه وأخذته منه وشكرته على كرمه ثم عاتبته أن أتعب نفسه.
رد عليَّ: ليتك تأتي كل يوم تشرب معي القهوة وتتعبني، وليتك أيضا تصطحب أطفالك معك، وجلس على الكرسي المقابل وأكمل: يا بني، أنا رجل على المعاش، أعيش في هذه الشقة الطويلة العريضة بمفردي بعد أن ماتت زوجتي منذ قرابة العامين.. وسكت لحظة يبتلع فيها عبرته، ومسح بسبابته دمعة خانته وتسللت إلى وجنته، واستطرد: أنت تقريبا في عمر ابني الصغير وتشبهه كثيرا، فأنا عندي ولدان وبنت، أحمد الكبير طبيب نساء وتوليد مشهور بالعاصمة، لا يزورني إلا نادرا، كان الله في عونه، مشاغله كثيرة وحياته مبعثرة ما بين عيادته وشغله الحكومي، لديه ثلاثة أولاد، لم أرهم منذ أكثر من ثلاثة أعوام بحجة كورونا والآن بحجة الثانوية العامة والمذاكرة.

أما أميرة الوسطى فتخرجت في كلية العلوم وعُينت معيدة بها، تزوجت وابتعثتها الجامعة للحصول على درجة الدكتوراة من جامعة بإنجلترا، رزقها الله بطفلين لم أرهما حتى الآن، تكلمني كل أسبوع تطمئن عليَّ، وترسل صور طفليها عبر الواتساب وكأن هذا كافٍ….
والأخير، أنس، شبيهك، سافر إلى الكويت بعدما تخرج في هندسة البترول وتزوج، هناك، منذ خمس سنوات لم يفكر أن يزورني فيها ولو مرة واحدة، مكتفيا بالكلمات المعسولة عبر الهاتف، لا يعدم مبررات عدم نزوله، رزقه الله بولد وبنت، يحثهما على أن يقولا لي يا جدي أثناء المكالمة؛ يحرجانه ويمتنعان.. وبعدما سكت ثوانٍ، استدرك قائلا: إحقاقا للحق ثلاثتهم يرسلون لي النقود كل شهر، لكني لست في حاجة إليها، فمعاشي يكفيني وزيادة، أنا في حاجة إلى رؤيتهم، إلى أن يقلقني ويقض مضجعي صخب أحفادي.. لذلك أشعر الآن بالأنس مع وقع أقدام أطفالك فوقي، والسعادة بصياحهم وضحكهم وبكائهم الذي يؤرقني عبر نافذة المنور التي لم أغلقها منذ سكنتم.

بلسان أخرسته الوحدة، محروم من البوح، لم يترك شاردة عن أولاده إلا أتى بها ولا واردة إلا شرد بها.. تأثرت ببثه الحزين كثيرا، واستأذنت منه بصعوبة عندما انتبهت أن عقارب الساعة تشير إلى الثانية ظهرا، فضفضته معي أنستني موعد العيادة، لم يسمح لي بالخروج إلا بعدما وعدته بالزيارة أنا وأولادي في الجمعة القادمة.. خرجت مسرعا لألحق بالعيادة، وصلت متأخرا بعض الوقت.. أثناء عودتي ليلا تذكرت أن فضفضته أنستني أيضا أن أغير له المصباح التالف.

التعليقات مغلقة.