المظهر والجوهر في قصة صلصال للأديبة مرڤت البربري …أبوشمس سالم
المظهر والجوهر في قصة صلصال للأديبة مرڤت البربري …
أبوشمس سالم
قلمٌ من الأقلام الأدبية التي دومًا تحلق بنبضِ قريحتها خارج السرب..فيحنما نقف أمام نبض ماتُجيد به علينا الأديبةْ المُتمّكنه نجد أنها تميل إلى الواقعيةْ ولكنها تُكسيها بثوب الإبداع،ودومًا ماتنتقي بلاغة المعاني لتُصيب عين البيان، كي يرتشف القُرّاء منها الإبداع في أبهى وأجمل مايكون..فما رأيته في حروفها يستحق أن نُشيد به
قرأت قصة صلصال فاعجبني أسلوبها السهل الممتنع الذي طالما أعجبني في كتاباتها و شاعرية الحروف البليغة التي تتميز بها كتابات مرڤت البربري استطاعت الكاتبة جذب القارئ من أول سطر حتى نقطة النهاية، ولفتت الأنظار إلى مأساة نتعرض لها في الوسط الأدبي والفنون في الفترة الأخيرة وكما أطلق عليها البعض (النحت) السرقة المقنعة بصورة الاقتباس والتي تطورت إلى سرقات أدبية فظيعة نطالعها كل يوم على صفحات العالم الافتراضي مما يفعله بعض رواده اللصوص الافتراضيين، وزاد الطين بلة بكتابة بعض من ينتمون لعالم الأدب روايات ودواوين شعرية مقابل مبالغ مالية أو مقابل أمور أخرى لا تنتمي للأدب بكل معانيه أشارت لها الكاتبة في قصتها.
وصفت لنا الكاتبة حال ذلك المبدع الصلصالي الذي ينال الجوائز على مالم تبدعه قرريحته ولكن يسرق منه مشهدا من ذاك الفيلم أو تلك القصة لتأتي الحسناء التي لا تعرف كيف تمسك بالقلم ليمنحها ما كتب طواعية لعيناها وقدها الممشوق ولا يمنع من بضعة جنيهات إضافة إلى ما سبق..
في استهلال القصة
بدأت الكاتبة بوصف حال الكاتب الصلصالي الذي( يجلس خلف مكتبه العاجي يرتدي منظاره الفخم ويضع في فمه سيجاره الكوبي ) وصفا يوضح لنا فخامة الوضع الذي صار إليه نتيجة كتاباته المسروقة.
وعندما. صفت المكتبة)(تقف خلفه شامخة مكتبة تعج بالكتب مما يوحي بثقافته العالية) فهنا ذكرت كلمة (بما يوحي) أي أنها فقط مظهر أحب هذا الكاتب أن يظهر به ولكنه ليس حقيقته.
أما مغانمه التي حصل عليها فهي ايضا مغانم مظهرية (تتناثر في زوايا الحجرة تحف تذكارية ابتاعها من مل بلد زارها في حفلات السجادة الحمراء).
أما عما فعلته كتاباته الصلصالية بالادب وكيف تستطيع هذه الكتابات اغتيال حضارة أمة لها تاريخ عريق بني من أسماء الأدباء العطام توضحه الكاتبة فتقول
(محبرته حبرها عصارة احتراق عتمةٍ مخبوءة في ليل دامٍ، حصادها صدحُ أنين أجيال، وحرارة أنفاس حضارة تحتضر، تشظّت الحضارة على أوراقه، فاغتالت شظاياها مستقبل أمة تقزّمت أمامها الأساطير، وتهاوى أمام صلابتها رخامٌ بلّوري يعكس ظل الأمم) .
ومن ضمن مظاهر قوة ذلك المدعي تسخيره للاقلام التي تدافع عنه بالاساءة لمن يتصدى لسرقاته واتهامه بالحقد والحسد والصاق التهم بكل من يحاول توضيح حقيقته
(وكتب اسمه كوشم على أكتاف الصعاليك والبلطجية وفوق أنصال الأسلحة البيضاء، حار النقاد في وصف آثار افلامه على الأجيال، وقصفت أقلام الصحافيين الشرفاء المناوئين لأفكاره الهدامة، فقط اكتظت بأخباره الصحف المتخمةٌ أعمدتها بالنفاق، والتي يجتر أصحابها التملق اجترارا، يقذفون بنيران أقلامهم كل من ينال كاتبهم ويصفونه بالحسد والبغض وأنهم أعداء النجاح).
وكان نتاج كل ذلك ان (نفق على سواحل الإبداع نوارس الموهبة وانطفأت لمعة أصابع الإلهام، على قيح تفاهات مشاهد أفلام هو كاتبها ).
ولم يقف الفساد عند ذلك اللص بل ظهر لنا الكاتب الحقيقي لقصة الفيلم والذي ظهر أنه الأفسد من ذلك النحات اللص، ،فهذا الكاتب منح عصارة قلمه لمدعية تحاول أن تدخل عالم الأدب فلم تسعفها حروفها العرجاء.
(هيفاء باتت ليالٍ تحاول أن تغوي القمر بأهدابها الكثيفة وعيناها السمراوين، وبشرتها الندية وردية الرحيق لعله يمنحها من ضيائه أصابع تمسك بها أشعته فتغزل منها قصيدة تطير في الآفاق، تحلق مع الفراشات في سماء الشعر)
فيمنحها هو قصته وتمنحه هي ما تملكه .
وكان اتفاقهما مضيعة للأدب
(التقته ذات مرة فانتقد عراء قصائدها من الفتنة، ولكنه أخبرها أن معه خرائط هداية موهبتها الحائرة، وأن نوافذ الإبداع سيزيل بعصاه السحرية غيماتها القابعة على شمس الإلهام، فلا حاجة للتعب ونسج خيوط واهية لأبيات قصائدها، و كعرّافة غجرية سيفك طلاسم اللغة، ويحل أحجيات الأغنيات الضائعة، وبسحره الخفي سيجعلها أميرة الشعراء، ومي القصائد، وفيروز النغمات، سيستبدلها بسندريلا التي ترتدي أجمل الفساتين، ولن تضيع فردة حذائها الزجاجية بل سيسحر بريقها المحافل، ولن يعرف اليأس طريق حروفها، ما دامت ستروي شرايين جيوبه بسيل نقودها، اتفقا على أن يسد شروخ قصائدها ويقوم بترميمها، وأنه سيجعلها مُهر الرهان الفائز دائما وستفوز بكل السباقات، ما دامت ستطعم فرس إلهامه بسكر حنانها. )
كنا نتمنى نهاية شافية تريحنا من أمثال هؤلاء الصلصاليون ولكن الكاتبة تصدمنا بأنه لا نهاية شافية حتى بعد ان يجف الاتفاق بين هذين الفاسدين إلا ان كل منهما يبحث عن مورد فاسد، يستقي منه ليظل هذا الصاصال مؤرقا لعالم الأدب.
(تكسرت سيقان إلهامه، فجفت ينابيع إبداعها، ذهب يبحث عن مورد، وراحت تسرق الحروف، وباتت تحلم بحقلِ ذي قطوف دانية تطولها أيدي قصائدها العرجاء، ورواياتها المبتورة.)
ويظل مظهر الابداع لصيقا ببعض من عدموه وجوهر الحقيقة خفي إلا عن من يبحث عنها.
التعليقات مغلقة.