المفتاح بالداخل بقلم : محمد كسبه
أنا الأصل ، الحقيقي ، لي وجهان الوجه الأول من الخارج ، على الرغم من أنه أحيانا يكون الأجمل ، حيث الألوان البراقة و الديكورات الرائعة و فخامة الشكل و المنظر ، إلا أني شخصيا لا أفضل هذا الوجه ، فمعه أشعر بالوحشة ، الغربه ، الوحدة ،الفتور و الملل ، انتظر كثيرا و أشعر بالسعادة حين أرى أحبابي الكبار و الصغار من الأصدقاء و الجيران ، أسمع همساتهم و أعرف أسرارهم ،أشاركهم الأفراح و الأحزان لكن ينقصني التعبير فأنا ملامحي لا تتغير سريعا مثلكم ، لكن رغم ثباتي إلا أن الزمن يغير من جمالي و نعومة بشرتي ؛ لكن المال يصنع المعجزات فأنا من السهل أن أعود و كأني جديدا .
أعتذر ، أزعجتكم بالحديث عن الوجه الجميل الذي أشعر معه ببرودة المشاعر ، و بالخوف من الغرباء ، و الأشد خوفا ، أن هذا الوجه معرض للظلام كثيرا ، لكن الوجه الآخر الأقل جمالا أنا أفضله؛ لأني بهذا الوجه أرى أحبابي الأعزاء باستمرار.
هل عرفتموني يا أصدقاء ، من أنا؟
أنا أول شيء تقف أمامه عند دخولك أي مكان .
أنا الباب ، نعم أنا الباب.
الباب يعني الستر ، فانا أستر من خلفي دائما ولا أفضحه فأرجوكم لا تتركوني مفتوحا .
الباب يعني الأمن و الأمان ، فأنا الحارس الخاص بكم أنا الحاجز القوي المتين الذي يعوق الدخلاء من إيذائكم .
أنا الفاصل بين حدودكم الخاصة و الحدود العامة .
ذات مرة نزل أحمد الطفل الصغير ليشتري حلوى و تركني مفتوحا ، و كان والده نائما بالداخل ، فتسلل أحد الغرباء و سرق ما غلا ثمنه و خف وزنه من الشقة ، و دخلت قطة لتعبث في المطبخ .
رغم أنهم يعرفون قدراتي و أهملوا فن التعامل معي ، إلا إنهم اتهموني بالتقصير في آداء واجباتي ، و الدليل على ذلك أنهم وضعوا أمامي ذلك الباب الحديدي الذي أصبح ينافسني و أنا أصبحت البديل ، يا لغدر الزمن !
الناس جمعيا تحب لفظ الباب و يعلمون مكانته و قيمته لذلك جعلوا منه نوعين أحدهما مادي و الآخر معنوي ، أما عن الباب المادي فمنه أنواع كثيرة من مختلف الخامات ، الخشب ، الحديد و القماش مثل باب الخيمة .
أنت تستطيع أن تلمس ، تركب، تتطلي ، تزين كل هذه الأنواع .
هل أنا أطلت الحديث معكم ؟
بالفعل أنا أحبكم و أحب الحديث إليكم ، فأنا أسمعكم دائما و لا أتدخل ؛ لكن هذه المرة سمحت لي الفرصة لأحدثكم عن نفسي ، و عن زملائي .
كلكم تحبون الأبواب و الدليل على ذلك أطلقتم لفظ الباب على العديد من الأعمال الدرامية مثل فيلم باب الحديد و فيلم خمسة باب و المسلسل السوري باب الحارة ، كذلك الأمثال الشعبية لا تخلو من لفظ الباب أبرزها – الباب إللي يجيلك منه الريح سده و استريح – و في مصر توجد العديد من الأماكن التاريخية المشهورة التي تحمل لفظ باب مثل باب اللوق ، باب الخلق ، باب الوزير ، باب الشعرية و … إلخ
- الحديث معكم لذيذ و شيق يا أصدقائي .
هناك أيضا الأبواب الإعتبارية مثل أبواب الصحف ، الجرائد و المجلات
و بالنسبة للأبواب المعنوية هناك مسميات عديدة ، فمن يبتغي الرزق يقول باب الرزق ، من يبتغي الفرج يقول باب الفرج ، و من يبتغي التقوى يقول باب الإيمان و باب الرضا ، باب السعد ، و من يحب الخير يغلق أبواب الشيطان ، و من يحب الله فليجأ لباب الله فهو مفتوح دائما و كلنا نعلم أن للسماء أبواب و للجنة أبواب ، أعاذنا الله و إياكم من أبواب الجحيم .
أصدقائي الأعزاء عليكم باختيار الأبواب التي تناسبكم و لا يدخل أبوابكم إلا الشرفاء .
و هناك العديد من القصص البطولية للأبواب التي كانت تحمي مدنا على مر التاريخ .
يا ربي ما هذا ؟ لماذا أتى النجار إلى هنا ؟
انتهى الآن وقت الحكمة و جاء وقت الألم
، يبدو أن أحدهم نسى المفتاح بالداخل ، و سأتعرض للضرب المبرح .
مهلا رفقا بي أيها النجار .
التعليقات مغلقة.