الملأ والأنبياء وبديع القرآن..بقلم مجدي سالم
الملأ والأنبياء وبديع القرآن..بقلم مجدي سالم
حين يشخص الطبيب الأعظم الداء.. قدمنا كيف تشير آيات القرآن إلى إن العداء للدعوة إلى الله ينسب دائما إلى الملأ – إلى سادة القوم وكبرائهم في كل عصر- وتكمن الدوافع دائما في خوفهم على مصالحهم الدنيوية.. ونلحظ أن عداء الملأ وأكابر القوم والمكذبين لكل نبي يبدأ بمجرد بداية دعوته لتوحيد الله.. والدعوة للإيمان بالغيب.. ومن العجيب أنه تتفاوت درجة هذا العداء مع تفاوت درجة النبي.. فالأنبياء أولو العزم.. هم أكثر الأنبياء تعرضا للإيذاء.. أعظمهم قدرا أعظمهم إبتلاء..
- فقد كذبوا نوحا عليه الصلاة والسلام ألف سنة إلا خمسين.. فما كلَّ نوح ولا تراخى في دعوته.. فكانت عاقبتهم الطوفان..
- وإبراهيم عليه الصلاة والسلام طرد وهو فتى من بيت أبيه.. وألقي في النار.. وجاب العالم القديم يدعو إلى الله..
- وموسى عليه الصلاة والسلام قضى جزءا كبيرا من عمره يخاف الإعتقال ومؤامرات القتل.. واتهم بالجنون والكذب.. وقاسى الأمرين مع قومه من بني إسرائيل في صحراء سيناء.. وتراخوا في الجهاد حتى حرم الله عليهم الأرض المقدسة..
- وعيسى عليه الصلاة والسلام وقد افتروا عليه وعلى أمه وقالوا فيهما بهتانا عظيما.. وتعرض لمحاولة الصلب..
- ومحمد صل الله عليه وسلم تعرض لكل هذا في حياته.. من قهر وعذاب وعداوة وتكذيب ومؤامرات وحروب..
هو ناموس لا يتغير.. لإن دعوة كل نبي فيها تغيير لأنماط الحياة.. من أجل عودة الحق إلى عرشه.. عودة الجمال والخير والفضيلة.. بينما يتحصن الباطل بتكوين الجيوش وبناء الأنظمة والتسلح.. النبي قوي بإيمانه.. وأعداؤه أقوياء بجندهم وعتادهم.. فما أن يبدأ النبي في الدعوة حتى تتحرك قوى الشر بعتادها لتتخلص منه.. ويقول كل نبي.. “متى نصر الله”.. ويكون رد الوحي من عند الله “ألا إن نصر الله قريب”.. سورة البقرة 214.. ويقدم القرآن هذا الصراع بشكل فني معجز.. يرتبط المضمون فيه بالإخراج الفني إرتباطا جذريا كارتباط الروح بالجسد الحي.. ووسط الصراع يحرص قصص الأنبياء على الغرض الديني الروحي ويبرزه ويؤكده.. من عهد آدم حتى محمد صل الله عليه وسلم.. ومن هذه الأغراض الدعوة أن الله واحد لا شريك له.. وأن المؤمنين أمة واحدة.. وأن جميع الأديان هي في الأصل دين واحد.. هو إسلام القلب والروح لله رب العالمين.. لكن يظهر الإختلاف في التصوير فنيا مع إختلاف شخصية وتركيب كل نبي ولغته وأسلوبه.. وطبيعة قومه.. لكنهم جميعا قالوا.. اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا.. “يا قوم أعبدوا الله ما لكم من إله غيره”..
ومع اختلاف الأنبياء في أسلوبهم.. ووحدة غرضهم.. نجد نفس الإستقبال للدعوة من قوم كل منهم.. بالتكذيب والإيذاء والإتهام والشر.. وما على كل نبي إلا أن يتحمل ويصبر.. “واصبر وما صبرك إلا بالله”.. والصبر هو الدواء لكل الأنبياء.. ومن الأغراض في القصة إثبات حقيقة اليوم الآخر وحتمية الإيمان به.. وتبشير المؤمنين.. وتحذير الكافرين منه.. وكذلك بيان سنة الله في تدمير المكذبين بالدين.. وبيان نعمة الله على أنبياءه.. كما أن قصص القرآن ترسم صورة العلاقات الإنسانية كما يراها سبحانه.. وتبين أن علاقات الأبوة والبنوة والقرابة والمصاهرة ووحدة الأرض والجنس واللون ليست أساس الروابط بين الناس.. وإنما الروابط هي الإيمان بالله ووحدانيته وتقواه.. وهي المعتمدة عند الله.. وهي التي ترفع أقواما وتضع غيرهم.. فالرابط هو حب الله.. والحب فيه.. والتسليم له..
وتقدم قصص الأنبياء جانبا من معجزات الله وإظهار الخوارق للنواميس لعباده.. يجريها على يد أنبياءه.. مثل شق البحر وعصا موسى وميلاد عيسى وإظهار معجزات الطب والبعث على يديه.. وناقة صالح وسفينة نوح.. هي للبشر معجزات لكنها عند الله سهلة هينة.. فكسر قوانين الطبيعة بالنسبة لنا معجزة وهي ليست كذلك عند الخالق.. فمثلا.. تقدم القصص كيف خلق الله الكون من العدم.. من العدم صارت طينا.. وخلق الله آدم من طين الأرض.. ثم بين كيف أن الله قد جعل قانون الوجود أن يأتي البشر من إتصال آدم بحواء.. من إتصال رجل بإمرأة.. ثم كان خلق عيسى من غير أب.. معجزة نحن لا نعرف كيف.. والله يقول “هو علي هين”..
خضعت القصة دائما للغرض الديني وللموعظة.. لكنها قدمت فنا تصويريا بديعا في ذات الوقت.. وقدمت القصة على أجزاء في سور القرآن المختلفة.. كما في قصة موسى وإبراهيم.. وقدمها قصة متكاملة في سورة يوسف.. وفي كل جزء كانت توجد العظة.. التي تتجدد رغم تكرار الموقف أحيانا.. وحين تقرأ الحلقات المكررة تجد تغير العظة ودون مساس بالجانب الفني الذي يتغير حسب تغير الموقف.. وهو دائما موفق ودقيق ومختصر ويخدم الغرض بإعجاز.. ويبرز قيما فنية خافية..
التعليقات مغلقة.