المُنحلّ بـ قلم /خالد العجماوي
تحسست يداي الكتاب الذي أمامي كأنها تستلهم منه الأمان، بينما أرقب المارة منتظرا لها في المقهى. ضاقت عيناي وأنا أتساءل: ترى هل سأستطيع إقناعها؟
متحجرة هي، لكأنها تقدس العادات حتى تكاد تعبدها. سرحت بناظري على المارة وقد أكلني الانتظار، زممت شفتي من تحت كمامتي وقد وجدت العالم أكواما من أجساد تفتقد الوجوه.
حضرت أخيرا؛ بدت متزمتة مثل كل النسوة في هذا العالم. أشرت بفضول نحو وجهها الذي غطته الكمامة. قطبت حاجبيها، واتسعت عيناها، وقالت غاضبة:
- هل جننت؟
تقدمت بجسدي كله نحوها وأنا أردد: - في الماضي كان كشف الجسد جريمة، وكان كشف الوجوه طبيعيا جدا
- هراء!
- منذ ألف عام أو يزيد، كان الناس يسيرون كاشفي الوجوه.
نظرت إلي مستغربة حديثي. أردفت: - وكان النساء يغطين أجسادهن.
نظرت إلى جسدها المكشوف دونما اكتراث، وقالت :
— نحن أبناء اليوم! - ولماذا الاستمرار في شيء لا يقنعنا ولا نفهمه؟
- نعيش في إطار من زمن ومكان له قانونه.
- حتى وإن كان هراء؟
- الانفلات من القانون هو الهراء.
- الوجه نافذة للروح.
- روح؟! أتؤمن بهذه الأشياء!
- الروح سر الوجود وإن أنكرناها اليوم.
- أنت مريض ومنحل.
- لأني أؤمن بالروح؟
- بل لأنك لا تسير على قوانين الزمن.
قمت من مجلسي وخلعت كمامتي وهتفت: - سحقا لهذا الزمن!
تجمعت الأجساد حولي كما الضباع حول الظباء تريد أن تفتك بي. تركتني. لم تحاول حتى أن تمنع الأيادي الفاتكة عني.
قمت بصعوبة، وجررت ساقي إلى منزلي وأنا أحاول أن أتحسس طريقي. أمام المرآة وقفت أتحسس وجهي، أنفي، فمي، عيني المتورمتين. ترى هل أقابل يوما مجنونة مثلي؟
لمحت شبح وجه من خلفي في المرآة. لم أصدق! استدرت لأجد الشباك المقابل للمرآة مفتوحا ويطل على مئات الشبابيك المغلقة. رجعت كي أنظر في المرآة. مرت لحظات ولمحت ظل وجهها ثانية. كانت تبتسم، كأن بسمتها نافذة على روح مفقودة! كان جسدها مغطى.
التعليقات مغلقة.