“النور القادم ” …قراءة في ديوان العامية “حلم أيامنا “
للشاعر ابتهال محمد بقلم حسن غريب
1- مدخل:
الكناية الممهدة يدخل الشاعر الصديق ابتهال محمد إلى ديوانه ” حلم أيامنا ” مستثمراً الطاقة المتدفقة للكناية من خلال هذا العنوان الذي اختاره لديوانه. ذلك أن هذا العنوان في التحليل اللغوي الأولى عبارة عن تعبير اصطلاحي أي تجمع لفظي يتكون من أكثر من وحدة معجمية بسيطة ويقع في الاستعمال اللغوي بانتظام وله دلالة ثابتة ، وهو ما يقترب إلى حد بعيد من مفهوم الكناية بما تكتنزه وتختزنه في داخلها من مجازية فاعلة ومدهشة وجاذبة.
وهذا التعبير الإصطلاحى الذي استعمله الشاعر عنواناً يدور حول معنى المشقة والمعاناة البالغة في الحلم ، يقول في ديوانه ص 16( حلم أيامنا قصادنا
بالحيرة دايماً شاغلنا استعمال دارج مصري يعنى بصعوبة بالغة وبمشقة مع معاناة شديدة في تحقيق حلم الأيام ). وهذه العبارة التي وردت تدخل بنا إلى تحليل قيمة الاختيار اللغوي الذي مال إليه ابتهال محمد في هذا الديوان مع تقدير قيمة مقدرته في ميدان شاعرية العامية ، ذلك انه يرى أن العامية في هذه المرحلة أكثر فاعلية عندما تشتبك مع هموم الناس وتهدف إلى الالتحام العاطفي مع الذات ، وهى وجهة نظر لها أنصارها في الكتابات الثقافية المختلفة ، يقول ” سفوروزا” في كتابه ( الجينات والشعوب واللغات ) ص 215 ” تبدو العامية أكثر كفاءة لأنها أثرى في الاتجاهات العاطفية ثم إن المثقف قد يفضل كلمة ( عامية) لا لشيء إلا لأنها تروع من يسمعها ومن ثم يكون تأثيرها قويا “.
ومطالب التأثير القوى المباشر والجمالي السريع هي بعض طموحات ابتهال محمد في هذا الديوان، ومن أجل ذلك افتتح ديوانه العامي بهذا التعبير الإصطلاحى الصادم القاسي الكاشف في الوقت نفسه(حلم أيامنا).
ومن أجل ذلك كذلك كانت لحظة التنوير الشعرية الكاشفة التي جاءت أشبه شيء بحاشية تفسيرية على العنوان – متأخرة مكانياً- حيث جاءت قصيدته (حلم أيامنا)، والديوان يختتم أوراقه، يقول ص :17
والأيام بتوصل جيلنا
للأجيال الجاية إشارة .
وبحرقة وبضلمة وحيرة .
منهم يائس منهم ناجح .
2- تقنية الحلم واليقظة
ويقول الشاعر ابتهال محمد ديوانه بقصيدة (قصاد بيتنا) ص26
قصاد بيتنا أنا بظهر
بشوف بس بتحسر
بشوفك كلمة أو بجدال .
ويبقى حنيني مالي البال .
وما بينهما توزعت القصائد على زمان ممتد ربما استغرق نحو أشهر وربما سنة وهذا التصميم إن كان مقصوداً فهو استثمار لتقنية تصميم الديوان في صورة قصيدة واحدة من 73 قصيدة لها مفتتح ومختتم وفى صورة حلم انطلق من يقظة هي من صفات الحلم المكسور والمصلوب بشكل دائم أو شبه دائم أجبر في لحظة على أن يتخلى عنه ليدخل في غيبوبة قاسية مظلمة بفعل نظام معقد وحياة مستبدة فاجرة وتصوره القصائد التالية للقصيدة المفتتح ليعود الشاعر من جديد للحديث عن بدايات يقظة جديدة مع قرب الخروج من الديوان أو قل مع أوائل تباشير القيام أيام ما كنا صغار . وحقيقة وميض الفكر وحقيقة محاورها هي ما ينطق بها أول سطور الديوان على الإطلاق يقول ص53:أمنيات
الحب في المبتدا
لازم يكون شاهد
أحلام كتير تبتدي
ووطن يكون سيد
بنصونه في شدته
ونهب ونأيد
دي الهمة دورها انتهى
مابقتش في ملامحي .
وتكرار استعمال بنية التفضيل الإطلاقى ” أفعل + مضاف إليه معرفة ” دال على ما نقرره، ثم يدخل الشاعر في الغيبوبة التي صنعها وفرضها على نفسه .
خوفي عليكي اتولد
من قبل ما تسامحي
، صحيح أن الشاعر يستعمل بمهارة بالغة بلاغة الطباق والمقابلة ليدعم بها المأساة التي كانت قائمة على الصدر، وهى تقنية تحتفظ لشخصيته بصورتها المشرقة الحقيقية وتعلن عن وجه السواد الذي علق بها بسبب استبداد حقبة ما يسمى بالذاتية المقهورة التي انتهت بسقوط الحب الضائع حتى ولو كان من طرف واحد .
وفي ص 31
فكر حاور ناور شاور
شوف اللحظة هتاخدك فين ؟
اوعى تعتم قوم واستفهم .
وبهذين السطرين الآخرين يتأكد وعى الشاعر بتقنية الغيبوبة المستعارة من فن السينما وهو بعض ما يجعل هذا الديوان مسكون بالأمل وروح التفاؤل على الرغم من كل مشاهد الألم والحزن الممتد على صفحات قصائده.
ويلح على حضور مصر ليجعلها شخصية الديوان المركزية بامتياز فهي تكاد تكون الكلمة المفتاح في هذا الديوان ويأتي التعامل معها من بوابة مجازية الأنثى تلك المجازية العريقة في التقاليد الشعرية العربية.
مصر الأنثى في هذا الديوان تجسيد للذة والمتعة والأمل والرقة والحنو والخصب الخصيب يقول الشاعر:
ص56
إلا شباب عصري
بيطلعوكي السما
يتحدوا أعدائك
راحةيبقى شرع الوفا
وياه كفاح عمري
يبقى التقدم هنا
ربما يتأكد لنا تخفيف الشاعر ابتهال محمد من صور المأساة المصرية من خلال استثمار تقنية الحلم في أبنية كثير من قصائد الديوان ، ذلك أن الحلم بطبيعته وسيلة عبقرية لإنقاذ النفس من قسوة الواقع وجبروته . وهذا الرفض للحلم في أخر الديوان لا ينقض رؤيتنا لأنه جاء بعد استيقاظ الوطن واسترداده بعض عافيته، هنا يصبح الحلم الذي هو عين الغيبوبة والغياب أمراً مرفوضاً يستأصل المقاومة بعشق الوطن والذات المأزومة لدى الشاعر.
3- الرومانسية الخضراء ( قصيدة الأمل فى مواجهة قصيدة الهزيمة) يمثل الشاعر ابتهال محمد واحداً من شعراء الرومانسية الجديدة التي يمكن تسميتها باسم الرومانسية الخضراء التي أسهم المد الاسلامى المعاصر ولا سيما بعد تراكم شعري ظاهر الانتماء له في تنميتها والارتقاء بها من جوانب مختلفة فكرية ولغوية وفنية تنطلق من رؤية للوجود والحياة عبر ديوانه (حلم أيامنا). وابتهال محمد واحد من شعراء مدرسة الرومانسية الخضراء بدليل معجمه ومفاهيمه وتوظيفه للشخصيات في هذا الديوان، فعلى مستوى المعجم يهيمن المعجم المتفائل المتعاطف مع النور والطبيعة المفعم بالاتحادية الوطنية على كثير من سطور الديوان . وقراءة الحقول الدلالية التالية كاشف عن ما نقرره، فحلم أيامنا ( لمرسى/لمينا/تجينا/ فعالة/هيعدي/ قصادنا……إلى أخره)، ويتعانق مع هذا المعجم معجم أخر كاشف ودال تتحاور فيه ألفاظ (اصبر/ فعالة/ \القمة/كفاءة وصدق/تخدش/لازم/كمان/مسيرة/راح/رايحين/يستاهل/ادارة/…..إلى آخره). ويدعم هذه الروح مجموعة أفكار ايجابية داعية إلى عدم اليأس وعدم الاستسلام وانكسار القيود وحطم اليأس واقتلاع الظلام، ويتأكد هذا الانتماء الذي صنعه الشاعر بنوع انتماء للفكرة الإنسانية في إنسانيتها البديعة المشعة المملوءة بكل الخير وهو ما يظهر من جنوح الشاعر إلى استدعاء شخصيات إنسانية بالمعنى العام وتوظيفها لخدمة قضايا الديوان من مثل ( ص49)
بالحلم أزور الناس
وكلي شوق وحنين
كمان بحب الناس
فكرة ومبدأ صار
جوايا زي رادار
عايش في قهر وويل
،ويقول ص 67
( راح اشيل نزاع انتشر
من شباب شوقي
وهابدل المعلمة
بالحلم في عروقي ) ويقول ص42
( أيام ما كنا صغار
واللمة في رمضان
ومع الحياة انتشت
بتدب فينا الروح
في رحلة جت وانتهت
كنا مع الأطفال
بشد كُبس ابتدت
على لمة م الأندال
).
إن الشاعر ابتهال محمد بديوانه (حلم أيامنا)، يفتح آفاقاً جديدة لبلاغة جديدة لا تقف عند حدود الحلم والبكاء على ما مضى ،وإنما يتجاوزها إلى أجواء البناء، ينطلق مؤمنا متفائلا فينعكس إيمانه وتفاؤله على صفحة قصيدته (حلم أيامنا). إشراقاً وخضرة طحنت الشباب ووجدانهم لكنه على يقين تام أن ينبوع الشباب هو الدرع الواقي للوطن وهو آخذ في الاستيقاظ يخلق جيلاً جديداً وروحاً جديدة تلوح في الأفق.
إن ديوان الشاعر الشاب ابتهال محمد ، الأول الصادر عن فرع ثقافة شمال سيناء 2020م “حلم أيامنا” وكعادته يتحدث الشاعر بصوت الإنسان ويعرض مشكلاته وأحلامه ورؤاه، يغوص في تجربته الذاتية ليلتقط منها صوراً إنسانية واقعية ونابضة بالحياة.
الديوان يحتوي على ثراء تجربة الشاعر وجمال مفرداته في رسم صور شعرية حيه وملهمة.
بالبلدي ،
الشاعر متعجن في الناس ويحمل همومه وإيلامه الذاتية ،
فيفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم”،
إن جميع قصائد الشاعر أبطالها الذات والضمير المخاطب والذات المأزومة بين انكسار الحلم وواقع مجتمع حياتي موجع .
التعليقات مغلقة.