النوم سلطان … حسين الجندى
النوم سلطان
حسين الجندى
يوم الخميس عاد من عمله في تمام الساعة الثانية عشرة ليلا وقد حل عليه الإرهاق الشديد…
قاد سيارته والنوم يداعب أجفانه…
نزل من السيارة ودار حولها دورتين…
و ملأ رئتيه بالهواء المنعش عله يطرد النوم الجاثم عليه…
ولكن لا فائدة!
كاد أن يدخل بسيارته في الجزيرة الوسطى للطريق…
لم يجد بُدَّا من أن يركن إلى جانب الطريق لعل وعسى!!!
أغلق نوافذ سيارته وأوصد أبوابها…
وأرجع مسند الظهر للوراء واستسلم للنوم…
وقبل أن يغط في النوم وَجَدَ يَدَا تطرق زجاج نافذته
اعتدل في كرسيه…
وفتح جزءا بسيطا من الزجاج فوجد امرأة أربعينية تبدو رقيقة الحال وتحتضن طفلة تكاد تقصم ظهرها…
توسلت إليه أن يوصلها إلى الموقف العمومي لسيارات الأجرة…
هَمَّ بالرفض في أول الأمر ولكنه تراجع عندما فرك عينيه وتأمل حالها فأشفق عليها وأشار إليها بالركوب…
فتح لها الباب الخلفي…
لكنها طلبت أن تركب بجواره في المقعد الأمامي…
برغم امتعاضه إلا أنه فتح لها الباب فركبت…
بمجرد تحرك السيارة بدأت المرأة بقَصِّ حكاياتها مع الحياة…
في البداية أبدى اهتمامه بعبارات معلبة محفوظة تُقال في مثل هذه الظروف…
ولكنه سرعان ما أصابه الضجر وتمنَّى لو انقضت المسافة في لحظة…
استرعى انتباهه أن البنت
قامت سليمة معافاة وكأن نومتها هذه ما هي إلا تمثيلية لاستدرار عطف الناس
أما الأم فقد أخرجت من صدرها علبة سجائر كليوباترا واستلت منها واحدة ودستها في فمها ونظرت إليه وطلبت منه ( ولعة)!
حدث كل هذا في لحظات…
ارتبك وتلجلج ثم توقف بالسيارة على جانب الطريق السريع…
وطلب منها اصطحاب ابنتها والخروج من السيارة فورا…
بالطبع رفضت وأخرجت من أنفها صوتا متحشرجا متقطعا بفعل الهواء الداخل إلى الأنف أثناء عملية شهيق اصطناعي مُتَعَمَّد( شخ……)
وطلبت منه أن يواصل السير وإلا اتهمته باغتصابها هي وابنتها…
أدرك أخيرا أنه وقع في فخ!
وأن تلك المرأة فاجرة وقادرة ومتمرسة!
لم يجد بُدَّا من مواصلة السير وهو يلعن قلبه الطيب الخائب!
وبيد متمرسة دسَّت ولاعة السيارة في مكانها وأشعلت بها سيجارتها الملغومة بالحشيش!
يا سوادي!!!
قالها مرتعبا…
ولكنها لم تأبه به!
وأخذت نفسا عميقا باستمتاع!
أسرع بالسيارة حتى صار على مشارف الموقف العمومي …
وقبل التوقف بلحظات طلبت منه أن يوصلها إلى بلدتها مباشرة وإلا…….
كان يتوقع ذلك لذا لم يعترض…
أخرج هاتفه المحمول من جيبه وضغط على زر التسجيل الصوتي دون أن تنتبه هي لذلك…
وشغَّل خاصية تحديد الأماكن ( gps )…
ثم وضع الهاتف في تابلوه السيارة…
وأخذ يستدرجها في الكلام حتى حصل منها على اعترافات كاملة بكل مصائبها وجرائم عصابتها والتي تعمل في تجارة المخدرات بكافة أصنافها…
أصبح لديه ما يُدينها!
توقف على جانب الطريق…
فشعرت بالغدر فأخرجت هذه المرة زجاجة عطر ورشت بعضا منها…
لا عليها بل في وجهه…
فشعر بدوار شديد ومادت الأرض من تحت قدميه وفقد وعيه في لحظات…
أفاق من غيبوبته فوجد نفسه في مكان قذر يشبه العربخانة فقد كانت رائحة روث وأبوال الخيول والحمير تملأ المكان…
أخذ يتحسَّس نفسه فلم يجد به أي إصابات…
حاول الهروب…
لكنه سمع صوتا يأتيه من فوقه…
يأمره بالجلوس وإلا تعرَّض للأذى…
نظر إلى مصدر الصوت فوجد رجلا يبدو الإجرام على قسمات وجهه…
قال له كلمات مقتضبات مفادها أن مهمته انتهت بعد أن قام بتوصيل شحنة المخدرات مع المِّعَلِّمة…
فسأله في الانصراف…
فأجابه بالإيجاب…
وأشار عليه بأن ينسى سيارته للأبد!
طلب منه هاتفه المحمول…
ضحك الرجل ضحكة مجلجلة ثم قطعها فجأة وابتسم ابتسامة صفراء…
ثم رمى له الهاتف بعد أن نزع منه البطارية…
وتمَّ اقتياده إلى سيارة أخذته إلى مكان بعيد مهجور ثم رمته وانصرفت مسرعة…
نهض من مرقده وجرى بأقصى سرعة لديه حتى وصل إلى أقرب مكان مأهول وركب سيارة أجرة (تاكسي) ووصل بها إلى بيته…
اشترى بطارية جديدة وقام بالاستماع إلى التسجيل فوجده واضحا إلى حد كبير وبه معلومات دقيقة عن العصابة…
كما أن جهاز التتبع (:Gps) قد سجل المكان الذي سارت فيه السيارة حتى توقفت…
أخذ هاتفه وذهب مسرعا إلى قسم الشرطة…
وقصَّ عليهم حكايته فتوجهت قوة مسلحة قامت باقتحام المكان والقبض على كل من بداخله وتم العثور على كميات هائلة من المخدرات والأسلحة البيضاء والنارية…
وبعد الحادثة بشهور…
عاد من عمله ليلا مستقلا سيارته والنعاس يغالبه…
وقبل أن يغط في النوم وَجَدَ يَدَا تطرق زجاج نافذته المغلق
اعتدل في كرسيه…
وفتح جزءا بسيطا من الزجاج فوجد امرأة أربعينية تبدو رقيقة الحال وتحتضن طفلة تكاد تقصم ظهرها… ووووووو
طار النوم من عينيه وأشعل محرك سيارته وانطلق بها كالسهم!
التعليقات مغلقة.