الوازع الديني في قلوب الناس..محمد الدكروري
الوازع الديني فى قلوب الناس
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
إن مراقبة الله في السر والعلانية من الأهمية بمكان ، وينبغي للعبد أن يراقب الله في جميع أحواله وأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته؛ لأن الله أقرب إليك من حبل الوريد ، فالحقّ عزّ وجلّ أقرب إلى عبده من حبل الوريد، لكنّه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه، فأمر بقصد نيّته، ورفع اليدين إليه، والسّؤال له ، فقلوب الجهّال تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحقّقت مراقبتهم للحاضر الناظر اليهم وهو الله عز وجل لإبتعدوا وكفوا عن الخطايا. والمتيقّظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، فالعبد لو استشعر الخوف والمراقبة من الله ما قدم على المعصية .
الضمير هو تلك القوة الروحية التي تحكم مواقف الإنسان وتفكيره، وهو منحة من الله للإنسان يدله بها على الخير والشر، وكيف يكسب الرضا والراحة النفسية ، وإن تربية الضمير وتقوية الوازع الديني في نفوس الناس فيه سعادة الأفراد والمجتمعات ، وبدونه لن يكون إلا مزيدا من الشقاء، مهما تطورت الأمم في قوانينها ودساتيرها، وطرق ضبطها للجرائم، وإدارة شؤون الناس، فإنه سيأتي يوم وتظهر ثغرات في هذه القوانين، وبالتالي ما الذي يمنع الموظف أن يرتشي، والكاتب أن يزور، والجندي أن يخل في عمله، والطبيب أن يهمل في علاج مريضه، والمعلم أن يقصر في واجبه، والقاضي أن يظلم في حكمه، والمرأة أن تفرط بواجبها، والتاجر من أن يغش، ويحتكر في تجارته ، الذى يمنع ذلك كله هو الضمير .
والنبى الكريم محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم أنقى العالمينَ سريرةً وأزكاهم سيرةً حذر من مخالفة السر للعلن فقال “لأعْلَمَنّ أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها اللّه عز وجل هباء منثوراً” ، قال ثوبان: يا رسول اللّه، صفهم لنا، جلِّهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم اللّه انتهكوها ”. رواه ابن ماجة .
وإن المرء لينظر في حياة الناس فيجد عجباً، مشاكل وصراعات، وتهاجر وقطع أرحام، وغمطٍ للحقوق، وتنكر للمعروف على أتفه الأسباب، بل إنك تجد من يكون سبباً في شقاء المجتمع ، بسبب سوء أخلاقه وتصرفاته، يستغل المواقف، ويتحين الفرص، ليشبع رغباته، ويحقق شهواته على حساب القيم والأخلاق والدين، ومصالح الآخرين، ومنافع العباد.
والضمير هو تلك القوة الروحية التي تحكم مواقف الإنسان وتفكيره وهو منحة من الله للإنسان يدله بها على الخير والشر وكيف يكسب الرضا والراحة النفسية ، ولذلكَ ضَربَ اللهُ مثلاً لذلكَ بيوسفَ عليه السلامُ حينما حجَزَهُ ضميرُه عن الانجرافِ وراءَ الهوى وقال: ( مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) والضميرَ هو مستودعُ السرِّ الذي يكتمُه القلبُ والخاطرُ الذي يسكنُ النفسَ ، فيُضيءُ ظلمتَها ويُنيرُ جوانبَها.
والضمير هو القوةُ التي تدفعُ نحوَ فعلِ الخيراتِ وتركِ المنكراتِ وحبِّ الصالحاتِ، وهو سببُ تسميةِ النفسِ باللوامَّةِ، كما قالَ الله سبحانه وتعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) والضميرُ هو الرادعُ عنِ المعاصي والآثامِ الذي يُجَنّبُكَ مقاربتَها ويُثنيكَ عن تكرارِها ، وإنَّ الضميرَ يُنجي صاحِبَه منَ المهالكِ، ويُبعدُه عَنْ شرِّ المسالكِ، ومن صفاتِ الضميرِ المؤمنِ أَنّ صاحِبَه دائمُ التذكّرِ فإذا همَّ بأمرِ سوءٍ ارتدعَ وانزجرَ، وابتعدَ عن المعاصي وأدبَرَ .
وإن ضمير الإنسان إذا لم يكن موصولاً بالله، فتجد صاحبه محافظاً على العبادات والطاعات، والذكر وقراءة القرآن، فإنه سيأتي يومٌ ويعرض ذلك الضمير للبيع في سوق الحياة ، وعندما يباع الضمير ستجد ذلك الصاحب والصديق الذي إئتمنته على مالك قد خان الأمانة، وتنكر لك ، وعندما يباع الضمير ستجد من يعطيك شهادة تعليمية دون أن تدرس يوماً واحداً، وستجد شاهدا باع ضميره، وزور أحداث شهادته، وحول الظالم إلى مظلوم، والمظلوم إلى ظالم، واختل واقع الحياة، وضاع مصير الإنسان ، وعندما يباع الضمير ستجد الطبيب الذي يهمل فحص مرضاه في المستشفى ليضطرهم للذهاب إليه في عيادته الخاصة، بل ستجد من يخون أمته، ويبيع وطنه، ويدمر مجتمعه.
وعندما يباع الضمير أو يغيب من النفوس تهمل الواجبات، وتضيع الحقوق والأمانات، ويوسد الأمر إلى غير أهله، وتظهر الخيانات، وتحاك المؤامرات، وتقدم المصالح الشخصية الضيقة على مصالح المجتمع والأمة.
ولقد عين أبو بكرالصديق رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضيًا على المدينة، فمكث عمر سنة كاملة لم يختصم إليه اثنان، لم يعقد جلسة قضاء واحدة، وعندها طلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء، فقال أبو بكر: أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟ قال عمر: لا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين ، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟
وفى عهد النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يأتي رجلان من المسلمين إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يختصمان في قطعة أرض ليس لأحدٍ منهما بينة وكل واحدٍ منهما يدعي أنها له وقد ارتفعت أصواتهما فقال : “ إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع منكم، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما يقتطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة” رواه البخاري .
عند ذلك تنازل كل واحدٍ منهما عن دعواه فقد حرك رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوسهما الإيمان وارتفع بهما إلى مستوى رائع من التربية الوجدانية وبناء الضمير والتهذيب الخلقي للفرد؛ فكانت هذه التربية وبناء الضمير حاجزاً لهما عن الظلم والحرام .
وهذا عثمان رضي الله عنه في عام الرمادة وقد أشتد بالمسلمين الفقر والجوع جاءت تجارته من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت والزبيب فجاءه تجار المدينة وقالوا له تبيعنا ونزيدك الدرهم درهمين ؟ فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه لهم لقد بعتها بأكثر من هذا . فقالوا نزيدك الدرهم بخمسة ؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة : فقالوا له فمن الذي زادك ؟ وليس في المدينة تجار غيرنا ؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد بعتها لله ولرسوله فهي لفقراء المسلمين .
فماذا لو لم يكن يحمل بين جوانحه ضمير المؤمن الحي لكانت هذه الفرصة لا تعوض ليربح أموال طائلة ولو كانت على حساب البطون الجوعى والأجساد العارية وآهات المرضى والثكالى وهموم أصحاب الحاجات ، إنه مهما خوف الناس وبعث في قلوبهم الرعب برقابة البشر فهي تسقط أمام رقابة الذات ورقابة الله وما تغيرت الحياة وحدث البلاء ووجدت الخيانة وانتشر الظلم إلا يوم ضعفت رقابة الله في قلوب البشر.
وهذا رجل عربي يسمى ماعز بن مالك يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله، ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فيقول له : لعلك لامست؟ لعلك قبلت! لعلك فاخذت! ويرد الرجل مرة ومرة ومرة، والرجل مصر على الاعتراف بخطيئته، مصر على التطهر منها بإقامة حد الله عليه، ولو كان الرجم بالحجر، ويأمر الرسول أخيراً إقامة الحد عليه، فيتقبله صابراً محتسباً، راغباً في عفو الله ومغفرته.
وهذه امرأة أعرابية تعرف بالغامدية، تزني ويضطرب في أحشائها جنين من الزنا، فيأتي عليها ضميرها المؤمن وقد ارتكبت الفاحشة سراً إلا أن تتطهر منها جهاراً ، وجاءت رسول الله تقول له: إني قد زنيت فطهرني؟ فيردها الرسول فتأتي في الغد فتقول: يا رسول الله .. لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً .. فو الله إني لحبلى!! فيقول لها: أما لا .. فاذهبي حتى تلدي ، وتذهب المرأة تنتظر الوضع، وتمضي عليها الأيام والأشهر دون أن تخبو جذوة ضميرها ، فما أن ولدت حتى أتت بالصبي في خرقة، وقالت للرسول: ها قد ولدته.
قال لها: فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه.
وتعود المرأة إلى دارها ترضع ولدها، وتمضي مدة الرضاع وهي في العادة حولان كاملان أربعة وعشرون شهراً لم يستطع اختلاف الليل والنهار فيها أن ينسي المرأة ما ارتكبت من خطيئة ، وبغير إعلان من محكمة، ولا تنبيه من حاكم، ولا حراسة من شرطي ترجع المرأة إلى رسول القوانين طائعة مختارة، لتلقى مصيرها الذي رضيته لنفسها فتقدم إليه الصبي وفي يده كسرة من الخبز، وتقول: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام.
ولم يجد النبي بداً بعد هذا أن أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها ، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد، فسبها ، فسمع نبي الله سبه إياها ، فقال: “ مهلا يا خالد، فو الذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى!” القصة رواها مسلم .
التعليقات مغلقة.