الوقت في الإسلام
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
إنَ مما يملأ القلوب أسفا وحزنا ما نراه في أوقاتنا من تضييعٍ للأوقات، وإهدارٍ للساعات، كم ضاع من الأوقات في الغيبة والنميمة ، كم ضاع من الأوقات في اللهو واللعب ، الشغل الشاغل حياة وشؤون الآخرين: كم يملك ، ماذا يفعل؟ أين يذهب؟
وما مر يوم على ابن آدم إلا قال له: ابن آدم: إني يوم جديد، وعلى ما تعمل فيَّ شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدم ما شئت تجده بين يديك، وأخِّرْ ما شئت فلن يعود أبدًا إليك”.
لقد بيَّن الله سبحانه وتعالى في كتابه فضل المحافظة على الأعمال واستثمارها، وبيَّن الله عز وجل أن أقواماً من يوم القيامة من أهل النار يكبون فيها بسبب أنهم لم يستثمروا أعمارهم، ولم يعمروا أوقاتهم ، فكان طول أعمارهم التي قضوها في الدنيا حجة عليهم يوم القيامة، إذ عذبوا إذ لأنهم طالت أعمارهم ومع ذلك لم يستثمروها ولم يتقربوا فيها إلى ربنا عز وجل .
وبيَّن الله تعالى أيضا في كتابه أن أهل النار يوم القيامة يُسألون فيقال لهم كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ سيسألون عن أعمارهم التي قضوها في الدنيا هل استثمروها فيما يقربهم إلى ربهم عز وجل ، ولو أنكم كنتم تعلمون بركة الأعمال وأهمية استثمارها ؟ وكيف ينبغي أن يصرف الوقت فيها ؟ لو أنكم كنتم تعلمون!.
فبيَّن الله سبحانه وتعالى أهمية الوقت واستثمار الأعمال؛ وذلك أن الإنسان إذا أحسن استثماره قربه ذلك إلى ربنا عز وجل، وليس أعظم من أن يقسم الله تعالى بالوقت فيقول سبحانه وتعالى (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) .
إن علينا أن نحرص على المحافظة على أوقاتنا، ونسعى جادين للاستفادة التامة منها، بما ينفعنا في ديننا ودنيانا وأخرانا؛ وإذا كان الليل والنهار يعملانِ في كُلِ واحدٍ مِنَّا فإنَ من الواجبِ العملَ فيهما، وإنَ من علامات المـَقتِ هى إضاعةَ الوقتِ.
فأقسم الله سبحانه وتعالى بهذا الوقت وبهذا العمر في آيات كثيرة من كتابه، لذا كلما كان الإنسان أكثر عقلا وأعظم ادراكاً استطاع فعلا أن يستثمر هذا الوقت الذي بين يديه، أراك تضيعه أحياناً ومع ذلك يفوت عليك دون أن تكون فيه فائدة.
وإنَّ على كل مسلم يرجو مرضاة الله سبحانه وتعالى، ويستعد للقدوم على الله عز وجل في ساعة من ساعات الليل والنهار، أن يراجع نفسه مع وقته وحياته وعمره، أن يتأمل حاله مع وقته الذي هو حياته، هو عمره، كيف يقضيه؟ وبماذا يعمره؟ بماذا يملؤه؟ بماذا يملأ ساعاتِ الليل والنهار التي يُنعم الله عز وجل بها عليه في كل يوم من الأيام؟
وإنَّ على كل مسلم أن يدرك أن الوقت سريع الانقضاء، فهو يمر مر السحاب، ويجري جري الريح، سواء أكان زمن مسرة وفرح، أم كان زمن اكتئاب وتَرَح، ومهما طال عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ومهما عُمر فيها من سنوات وعقود، فهو قصير، ما دام الموت نهاية كل حي.
وعند الموت تنكمش الأعوام وإن طالت، عند الموت تتقلص العقود وإن امتدت، تنكمش العقود والأعوام كلها التي عاشها الإنسان، حتى لَكأنها لحظات مرت كالبرق الخاطف ، ولقد عاش نبي الله نوح عليه السلام أكثر من ألف عام، فلما جاءه ملك الموت ليقبض روحه سأله: يا أطول الأنبياء عمرا، كيف وجدت الدنيا؟ فقال نوحٌ عليه الصلاة والسلام ، وجدتُّها كدارٍ لها بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخَر.
وفي الذكر الحكيم عرض لمشاهد الندامة والحسرة التي تمتلئ بها قلوب أقوام لم يعرفوا للوقت قيمته، لم يعرفوا للزمان أهميته، فكم يندم المفرط في استثمار ساعات يومه ودقائق نهاره؟! كم يندم المفرط في استثمار ساعات وقته حينما تحين ساعة الاحتضار، حينما يستدبر الإنسان الدنيا، حينما يستقبل الآخرة؟! فيتمنى لو منح مهلة من الزمن، وأعطي فرصة من العمر، وأُخّر إلى أجل قريب؛ ليصلح ما أفسد، ويتدارك ما فات؟
والموقف الآخَر من مواقف الحسرة والندامة موقفٌ عظيمٌ يوم الجزاء والحساب، يوم تُوَفَّى كلُّ نفسٍ ما عمِلَتْ، وتُجزَى كل نفس بما كسبت، يوم يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، في تلك اللحظات يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى الدنيا، من أجل ماذا؟ ليبدؤوا عملا صالحا؛ ولكن أنى لهم ذلك، وقد انتهى زمن العمل، وبدأ وقت الحساب؟.
والوقت أنفس ما تملكون، وهو أغلى من الذهب والفضة والجواهر، فاحفظوا أوقاتكم، واغتنموا زمانكم، فإن إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها، وما مضى من الدنيا أحلام، كنائم رأى مسيرة حياته في لمح بصر ثم استيقظ ، ذهبت الأيام بآلامها وآمالها وأحلامها، بشدتها وقسوتها، ولكن بقي الحساب.
وإن الوقت هو عمر الإنسان، ورأس مالِه في هذه الحياة؛ ذلك أن كل يوم يمضي على الإنسان يأخذ من عُمره ويقَربه إلى أَجلِه، فكان حري بالعاقل أن يستغل ويمضي هذا الوقت الذي منحَه الله إياه فيما يرضي ربه، وأن يحقق لنفسِه السعادة في الدنيا والآخرة.
التعليقات مغلقة.