اليهود…د.أحمد دبيان
اليهود…د.أحمد دبيان
تكمن إشكالية اليهود فى مسألتين جوهريتين يلخصهما سؤالان .
هل اليهودية ديانة ؟ أم ان اليهود عرقية ؟
وبعيداً عن أصل تسمية اليهود كعرقية واختلاف التأويل فى نسبتهم الى يهوذا الأخ الرابع فى الترتيب من أبناء نبى الله يعقوب والذى لم يؤتى النبوة أبداً أو الى اهتزازهم أثناء تلاوتهم للتوراة كما جاء فى بعض التأويلات الإسلامية ، أو الى قولهم انا هدنا اليك كما جاء فى آى الذكر الحكيم ، لن نجد تأويلاً يقينياً الى تسميتهم باليهود أبداً .
اختلفت تأويلات تسمية العبرانيين ايضاً فمن قائل بأن أصل التسمية جاء من
Eber
عِبِر ، جد ابراهيم عليه السلام وان العبرانيين معناها ابناء عِبِر ليأتى البعض الآخر ويعزى التأويل الى جذر عبرى معناه الذين عبروا ، أى من عبروا نهر الفرات .
ليأتى التأويل الثالث وان تسمية العبرانيين جاءت من الكلمة العبرية
abhar
او
ebher
او العابر الرحالة الذى لا يستقر فى مكان الا لفترات مؤقتة
ولا يندمج
Sojourner
لوصف حال إبراهيم عليه السلام ونسله .
وربما جاء الوصف القرآنى لكلمة الأعراب التى لم تؤمن والقريبة من نفس الجذر العبرى دليل على نبذ الآخر وعدم قبول الأمم والقبائل الأخرى كما جاء فى الذكر موضحاً سنة الخلق
” لتعارفوا ”
جاءت التسمية القبلية لليهود اعلاءاً لشأن يهوذا والسبط الذى من نسله ليتحول التمجيد ليهوذا وعقبه ، لتتحول اسطورة يهوذا بأن المسيح الرئيس سيأتى من ذريته فى الوقت الذى يتم المرور سريعاً على تسمية العبرانيين والتى بالتعريف العلمى البحت ستمتد لتشمل الأبناء كلهم من سارة وهاجر وقطوره .
بعد هدم الهيكل عام ٧٠ ميلادية وثورة شمعون بارخوبا عامى ١٣٢ الى ١٣٦ م كان الشتات الأخير وانتهاء الأسباط الا سبطين ونصف اختلطت دمائهم بالأمم حتى ان يهود الجزيرة العربية الذين تركزوا فى تيماء ويثرب ، لا يزال يدور الجدل اليوم عن نسبهم واصولهم .
تشتت بنو اسرائيل بين الأمم ، وبينما تركزت بعض أعدادهم فى يثرب وخيبر وفدك وتيماء واليمن والعراق ، والبعض الآخر فى اثيوبيا ( الفلاشا والذين يزعمون بنقاوة عرقهم ) وانهم ورثة سليمان الحقيقين وانهم الامتداد الوحيد لسبط يهوذا .
جاء الزخم العددى لليهود المحدثين من تحول قبائل الخزر الوثنية فى وسط آسيا ليس بسبب الطابع الدعوى للديانة ، فالديانة اليهودية اختلطت مفاهيم العرقية والقومية فيها بالدين الذى تم تأطيره فقهياً لتتحول ديانة الله الى دين عرقى قومى قبلى لا يقبل الآخر ولا يندمج معه ولا يقبل حتى التواجد تحت ظل حكم سياسى مختلف الديانة .
كان هذا بالأساس هو سر التمرد المتعاقب لليهود ضد الرومان ، وعدم قبولهم الاندماج مع الأمم الأخرى او الديانات الأخرى فظلت اليهودية عقيدة قومية غير دعوية لا تقبل بالأمم وكان هذا هو اساس الجيتو الفكرى الذى اسفر عن جيتو مكانى زمانى تم تصديره حتى الى القبائل المتهودة من نسل مملكة الخزر .
تجلت العقيدة والفكر الإنعزالية المترسخة فى ابرز فرقهم ابان وجود المسيح عليه السلام وهى فرقة الفريسيين والتى كانت لا تؤمن بالآخر حتى ولو كان من فرق اليهود الأخرى .
ظل الجيتو الفكرى المكانى هو الحاكم فى فقه الانعزال اليهودى فكانت حارة اليهود هى السمة الغالبة فى هذا الفقه فى كل الدول الغربية او العربية والتى تحولت من انعزال اجتماعى دينى قومى لتتطور الى انعزال قومى لا يؤمن حتى بالخضوع الى الجغرافيا السياسية وليصبح هذا هو الأساس الفقهى المتأدلج قوميا مع تطور الفكر القومى اليهودى وصياغته الحديثة المعلمنة على يد تيودور هرتزل .
لم يندمج اليهود لا قديماً ولا حديثا فى مجتمعاتهم وظلوا يمثلون شريحة منعزلة تعمل فى ظل توازنات القوى لتخدم هذه الطبقة أو تلك وليتطور فقههم الدينى بعلاقاتهم المركبة مع القوى الحاكمة فيخرج التلمود من تحت يد مؤطر الفقه اليهودى طبيب السلطان صلاح الدين الأيوبى موشيه ميمونيدس الشهير بموسى بن ميمون والذى رسخ فيه العلاقة فى فقه الانعزال بين ابناء الله شعب الله المختار والآخر الجوييم الأغيار.
ظلت حارة اليهود الموجودة فى كل مدن العالم هى الشاهد التاريخى الحقيقى على ديانة اختلطت فيها مركبات النقص والتضخم لتتأطر قومياً وتفقد ابناءها اى انتماء جغرافى تحكمه العرقية والجغرافيا ولتتحول الفكرة المزعومة لاعادة شتات شعب غير موجود بالفعل بحكم الفناء والشتات والاختلاط بين الأمم وليتم استحضار الأسطورة القومية وتأطيرها السياسى بعودة مزعومة لوطن له شعبه الموجود فعلياً منذ آلاف السنين لم ينجح الأجداد منذ زمن موسى او يوشع أو داوود او سليمان فى بسط نفوذهم على كامل اراضيه فى ذات الحقبة الزمنية.
الزعم بأن اليهود واضطهادهم كان الدافع لهجرتهم نحو الجراحة الاستيطانية المغروسة فى فلسطين زعم مؤدلج موجه يخالف ابسط حقائق التاريخ والجغرافيا يحاول فيما يحاول استحضار التزييف المؤطر للأساطير الإسرائيلية والذى يردده البعض فى تزييف صارخ للتاريخ والجغرافيا يحاول التطبيع مع الغرس السرطانى متناسيا ان السرطان سدة جغرافية تاريخية وان ثانوياته التى تسد مجرى انسيابية الوجود معطلة الذاكرة وان السماح لهذا السرطان بالتمدد دون مقاومة أو حث للمناعة الفكرية سينتهى بتمكنه من مجرى الأوردة والشرايين فى جسد الامة ولننتهى الى احتضار ممتد وخروج خارج دوائر الجغرافيا والتاريخ .
التعليقات مغلقة.