انتبهوا نظرية التأطير وخطرها على العقول
د. وجيهة السطل
هكذا يتم التأطير وتنجح عملية السيطرة على العقول ..!!
كيف تسيطر على العقول، وتوجهها وفق ماتريد؟؟
إنها نظرية جوبلز (وزير الدعاية الألماني إبَّان حكم هتلر) في السيطرة على العقول وفق نظرية التأطير (Framing Theory) والتي أصبحت وسيلة مهمة في مصانع السياسة والسياسيين فيما بعد . وتَعريف النّظريّة بكُلِّ وضُوح، أن يَعمد سَارد القصّة إلى إبرَاز جَوانب مِن القصَّة أو الحَدَث والتَّركيز عَليها. وإغفَال أو تَجاهُل أو طَمس)أجزَاء أُخرَى يهمه طمسها. وذلك حَسب هَوَى المُتحدِّث وميوله بالنّسبة للأشخَاص، وحَسب مُوافقتها لسلّم الأولويّات في ذهنه وتخطيطه. وفقا لما يريد أن يتركه في عقول المتلقين .
ولنقرأ معًا مثالين يكشفان كيفية توجيه العقول إعلاميًّا ..!!
** ﺗريد أن تعلِّم ابنك الواجبات الاجتماعية . فتسأله :
أﺗﺮيد زيارة عمك أولًا أو خالك ؟ ؟!! عمِّك أو خالك ..يعني لامناص من الزيارة وخيارك في أولهما .
إذًا أنت أمام خَيارين لا ثالث لهما لايمكن ﺃﻥ تفكر في رفض فكرة الزيارة مثلًا .لأن هذا غير مطروح للنقاش .
** مثال آخر : ﺗﻘﻮﻝ الأم ﻟﻄﻔﻠﻬﺎ وهي تريده أن يرتب سريره. :
ﻣﺎ ﺭﺃﻳﻚ ﻫﻞ تفطر أولًا أم ترتب سريرك ؟
ربما ﻳﺨﺘﺎﺭ ﺍﻟﻄﻔﻞ تناول الإفطار ، ولكن الأم وضعت الخيار الثاني وهو ترتيب السريرفي بؤرة الاهتمام ﻣﺴﺒﻘًا، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ تفرض عليه ﺫﻟﻚ، ﺑﻞ أشعرته ﺃﻧﻪ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺎﻡ ﺑﺎﻻﺧﺘﻴﺎﺭ وترتيب الأولويَّات ..!!
ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻳﺴﻤّﻰ : ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﺄﻃﻴﺮ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻋﻘﻠﻚ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﻣﺤﺪﺩﺓ، ﻓﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻚ ﻻ ﺇﺭﺍﺩيًّا، ﻭﻣﻨﻌﺖ ﻋﻘﻠﻚ ﻣﻦ التفكير أو ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ باقي ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺎﺣﺔ.
وﻳﻤﺎﺭﺱ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﺑﺪﻭﻥ إدراك لهذه الفلسفة ،ﻭﺑﻌﻀﻨﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺑﻬﻨﺪﺳﺔ ووعي وحِرفيَّةٍ وذكاء .
ﻭﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻤﺎﺭﺱ ﻫﺬﺍ
ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ عن عمد وسابق إصرار ، أنني ﺃﺟﻌﻠﻚ ﺗﺨﺘﺎﺭ ﻣﺎ ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻧﺎ دﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺸﻌﺮ ﺃﻧﺖ ..!!
وهذا ما ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ معنا ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﺍﻹﻋﻼﻡ ..!!
ومثال أوضح على ذلك، ما تمَّ في ﺣﺎﺩﺙ ﺗﺤﻄم ﻃﺎﺋﺮﺓ ﺗﺠﺴُّﺲ ﺃﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺟﻮﺍﺀ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﺔ .
فقد ﺗﻮﺗﺮت ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﻠﺪﻳﻦ، وسَرَتْ إشاعة بأن الصين لن تسلِّم الطائرة.فماذا فعلت أمريكا ؟
خرج ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻭﻗﺎﻝ :
ﺇﻥ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺗﺴﺘﻨﻜﺮ ﺗﺄﺧُّﺮ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﺴﻠﻴﻢ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ.
هل لاحظتم ؟ طرح فكرة التأخُّر في التسليم ، فلم يترك الخيار أمام الصين دوليًّا سوى تفسير سبب التأخير ، وبالتالي ضمنت الإدارة الأمريكية عودة طائرتها إليها ،ولو بعد حين .
وﺟﺎﺀ ﺍﻟﺮﺩ ﻗﺎﺳيًا ﻣﻦ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﺔ،ولكنه يحقق نظرية التأطير ، ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺳﻮﻑ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﺘﻔﺘﻴﺶ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ، ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺗﺼﻨﺖ ﻗﺒﻞ ﺗﺴﻠﻴﻤﻬﺎ ..!!
ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻨﺎ، ﺃنه كانت هناك مخاوف عند الأمريكيين بعدم ﺗﺴﻠيم ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ،
ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﺄﺧٌّﺮ ..!! ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﺄﺧﺮﺗﻢ ؟
ﻓﺠﺎﺀ ﺍﻟﺮﺩ ﺍﻟﺼﻴﻨﻲ محقِّقًا لإرادة الصين في حقها في تفتيش الطائرة ﻗﺒﻞ تسليمها.. (ﺳﻮﻑ ﻳﺘﻢ ﺗﻔﺘﻴﺸﻬﺎ )ويحمل ﻣﻮﺍﻓﻘﺔ ضمنية ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻠﻴﻢ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ، ﻟﻜﻦ ﻣﺘﻰ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﻮﻥ ﺫﻟﻚ ..!!
التأطير وتأثيره في توجيه العقول :
هذا علم قائم بذاته في علم النفس المعرفي.يتحدث عن علم السيطرة على المتلقي نفسيًّا.
وفلسفة الإقناع السلس مبنية على تقديم رأيك أو مقترحاتك للشخص الذي تستهدفه بصورة ذكية ، وعلى شكل خَيارين أحدهما ما تريده أنت ، على أن يكون الثاني أبعد عن المنطق والقبول ، فيختار المتلقي مُقتَرَحَك، ورأيك دون أن يشعر أنك أمليت عليه الرأي .
وها هم يطبقون ذلك علينا في جرعات التجريف السياسي لعقولنا وحقوقنا وقيمنا وتاريخنا بل ولغتنا وديننا،
وتمارس ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ المحلية والدولية ﺍﻟﻠﻌﺒﺔ نفسها ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﻤﻨﻬﻜﺔ ﺑالتبعية واﻟﺠﻬﻞ، ﻭاﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻟﻮﻋﻲ.فتستحوذ على تفكيرك، وتجعلك ﻻ ﺗﺮﻯ ﺇﻻ ﻣﺎ تريد هي. …!!ﻭﻫﺬﺍ ما تفعله أيضًا الجماعات الإرهابية في تخريب العقول ، وغسيل المخ وتفريغه إلا من الأفكار التي تزرعها . ..
وغالبًا ﻣﺎ ﻳﻀﻊ الموجِّهُ الإعلامي ﺍﻟﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﻳﺪﻋﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ، والأفكار التي يريد نشرها وتأصيلها .
فاﻧﺘﺒﻪ ﻟﻜﻞ ما يسوِّقونه لك من ﺳﺆﺍﻝ أﻭ ﺧﺒﺮ ﺃﻭﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﺗﺼﻠﻚ، لأنهم ﻗﺪ خططوا كي يسلبوك ﻋﻘﻠﻚ ﻭﻗﺮﺍﺭﻙ ﻭﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻚ، وﻳﻘﻴَّﺪوﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﺍﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺼﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪونه.
وﻛﻠﻤﺎ ﺯﺍﺩ ﻭﻋﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪ، ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻃﺮ ﻭﺍﻟﻘﻴﻮﺩ التي ﻫﻲ ﻟﻌﺒﺔ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﺍﻟﺨﻄﺒﺎﺀ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺏ المُسَيَّسين ،
ﻟﻜﻲ ﻳدفعوك ﺇﻟﻰ اتخاذ ﻣﺎﻳﺮﻳﺪﻭنه ﻫﻢ من قرارات ﻻ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪه ﺃﻧﺖ ..!!
إنه ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻗﻮﻱ ناجع ﻓﻲ فن ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ. وحسنٌ مفيدٌ في إدارة المؤسسات أو الشركات أو الأسر .ولا أكتمكم سرًّا فهذا هو الأسلوب الأمثل الذي تتبعه الزوجة المثقفة الذكية، في تعاملها مع زوجها.حين تكون شخصيتها هي الأقوى، ولا تريد أن تشعره بالندية،في مواجهة أمور الحياة.
التعليقات مغلقة.