انتحار ابريق الماء … عبد الصاحب إبراهيم أميري
انتحار ابريق الماء
عبد الصاحب إبراهيم أميري
بغداد عام 1951 للميلاد وحي الشواكة من أحياء بغداد المعروفة والواقعة على نهر الفرات، في هذا الحي الجميل وجد الصبي الصغير كل ذكرياته، نهر الفرات ينبوع الذكريات، يقضي صالح ايام الصيف الحارقة مع إخوته الأكبر سنا، في السباحة، في نهر النهر، والتي باتت اشبه بمسبح يجتمع أهالي الحي عندها، والباعة من النسوة والرجال، يعرضون بضاعتهم الشعبية، (البقلاء، والسمسمية، والدوردمه)، وكأنهم في احتفال شعبي ، فهي نزهتهم الأولى والأخيرة انذاك
اسيقظ مبكرا وهو على علم بأن هناك قرارا على وشك التنفيذ،، ستغادر العائلة بغداد الى مدينة البصرة التي كان قبل اليوم لا يعرف حتى اسمها ، ولابد من وداع، وداع الحي، وداع بغداد، وداع اخته الكبرى. التي كانت له اما، اختا، صديقة ومعلمه وداع بيت جده في كربلاء ووداع الحسين إبن علي الذي استشهد في واقعة الطف، فهو يعرفه جيدا، ويبكي من أجله ايام عاشورا
إن مقاومة الصبي صالح لم تجدي نفعا، مقابل قرأر أبيه الذي بات ملزما تنفيذه، ودموعه وبكاءه القاسي باتت دون فائدة
وها هو اليوم، يركب القطار المتجه للبصرة، لأول مرة في حياته مع أمه مستسلما ليسجل اول أيام الفراق
اول ايام الغياب ، عن اخته نورية او بالأحرى امه الثانية،.، ويلعن القطار الذي كان سببا في نقله، كما كان يعتقد
مضت الساعات سوداء قاسية على الصبي صالح، وصوت عجلات القطار تزيد حزنه حزنا، بقى يقظا لا يستلم للنوم. يرى الوصول البصرة كارثة ستحل عليه
الساعة اقتربت رويدا للساعة الثامنة صباحا، ، ودبت في القطار، حركة الإستعداد للوصول للبصرة ،
ازدحم المسافرون حول مغاسل القطار، لمحو عناء ستة عشر ساعة،
كانت عاما من وجهة نظر الصبي صالح وأكثر، استرجع فيها تاريخه القصير، لحظة بلحظة، متجر الوالد في الشورجة، واحلى ساعاته على نهر الفرات ببغداد، وزيات ركوب الباص الخشبي، وتحمل مطبات طريق، كربلاء، واجتماع العالم الإسلامي في كربلاء ايام الزيارة. وجده العجوز
أشارت ام صادق لولدها
-ابني راح نوصل. للبصرة، اغسل وجهك وغير دشداشتك، عيب نروح بالحالة هاي. للناس،
أطاع صالح امه كعادته ووقف مع المنتظرين، منتظرا خلو الحمام، ليغسل عنها كل العناء، لأنه أمام يوم جديد، وناس جدد سيلتقي بهم
غير دشداشته البازة المقلمة بدشداشة بازه خطوطها تختلف، وقماش البازه، هو القماش المعروف، انذاك
وقفت عجلات القطار، وفتحت الأبواب ايذانا بالنزول، تدافعت الناس لترك القطار ، وكان سهم صالح من المتاع، حمل ابريق الماء الذي كان يستعمل لتسخين الماء لتحضير الشاي ، وأمه حملت الحقائب كلها ، تسحبها سحبا،
استاجرت سيارة أجرة، لتاخذهم لحي السيمر بالبصرة القديمة،
قاد السائق سيارته بأقصى سرعة والأم تسبح، وضمت ابنها إلى صدرها،
ضغط السائق على فرامين السيارة، والتفت صوبهما
- وصلنه هذه هي محلة السيمر
تركا سيارة الأجرة، يبحثون في الوجوه، تسأل الأم عن العنوان الذي حفظته بذاكرتها، والصبي يتبعها مع ابريق الماء
وعشرات الأسئلة تدور في مخيلته، حتى شعر باختفاء أمه، دارت الدنيا براسه الصغير وكره الحياة بما فيها،
-ااتيت للحياة كي اتيه، في الغربة
كان يقرأ الغربة في ازقة المدينة، والنهر، الذي قسمها إلى قسمين، وفي نفسه
كل شيء بات حزينا
البيوت باكية
الازقة بدائية
اللهجة غريبة
الألوان قاتمة
وهو تاه لامحال
حتى وجه أمه، حمل المعاناة بأنواعها، فقد سبق وأن قالت
-لم ار من الدنيا خيرا،
فقدت سبعة من ابنائي
فقدت ثلاثين فردا من اسرتي بعام واحد،
نفسة، ادمعت عيناه، وشعر بأنه سيواجه المتاعب كامه وهذا بداية المشوار
-انا ابن السادسة من عمري كرهت الدنيا وما فيها
نظر الصبي للشط، وعقله يدعوه للخلاص من الدنيا، رفع راسه ليودع امه، لم يجدها، وراحت عينيه تبحث عن امه، فقد الأمل، رمى ابريق الماء في النهر، ليشهد الانتحار وكيف يكون، انه سمع به، ولم يشهد عملية انتحار في حياته، استقبل الابريق بحفاوه، واخذه النهر معه حتى ابتعد عن أنظار صالح، بقى عليه تنفيذ المامورية بالكامل استعدادا للخلاص،
استعد لرمي نفسه في شط البصرة
نظرت اليه امه وصاحت - وين صرت صالح
اسرع إليها باكيا
اخذ امه بالاحضان وراح يبكي بطلاقة دون أن يهدأ ، بكت الأم معه، وانقلب البكاء ضحكا،
سألته امه
أين ابريق الماء
ضحك وبانت أسنانه الجديدة
-انتحر الابريق
عبد الصاحب إبراهيم أميري
التعليقات مغلقة.