انت حمار يا ذكي بقلم يسري ربيع داود
_ اركبْ سيارة مخصوص من الموقف، وزوجتك تقعد في آخر كرسي، وانت في الكرسي خلف السائق، وتلبس كمامة وهي أيضا تلبس كمامة، وافتح جميع نوافذ السيارة، وإذا وصلت إلى مستشفى المركز، اعطِ السائق أجرة اليوم كاملًا وليس أجرة المشوار فقط ، وزده أجرة تعقيم السيارة، وأخبره بأن زوجتك مصابة كورونا، وأحضره معك داخل المستشفى لأؤكد عليه ما يفعله… فاهم يا ذكي؟
قالها له أخوه الطبيب في عيادته بقرية “ميت كنافة” في محافظة من محافظات المحروسة، وبعد انصراف أخيه من أمامه ناداه قائلًا :
_ يا ذكي : لا تنسَ ، أنا في انتظارك في تمام الساعة السابعة صباحا، سأجهز لزوجتك سرير العزل، ولا تقلق ستكون بخير، لكن احرص من الآن على عزلها في غرفة منفصلة إلى أن تأتيني باكر… فاهم يا ذكي! وخذ هذا المبلغ لتحاسب به السائق.
هزّ ذكي رأسه علامة على الإيجاب، وانطلق يده في يد زوجته، وعندما لاحظه أخوه الطبيب نزل مسرعا على الدّرج، وتناول حجرًا من أمام عيادته وصوبه بدقة في قدم أخيه الذي هوى على الأرض فاغرًا فاهُ، وأمسك قدمه، ونظر خلفه فوجد أخاه يوشك على إرسال قذيفة أخرى، فأشار له أنه فهم الرسالة، وكان رد فعله على نفس القوة، فأوسع زوجته ( كفًّا) على قفاها، فقلبها على وجهها، فضحك الطبيب وضحك عليهما كل المرضى على سلالم العيادة وحولها.
بعدها، تبدلت ضحكات الطبيب إلى قسمات جادة حينما أدار نظره إلى المرضى وعدّل نظارته الواسعة التي كثيرا ما تسقط على أرنبة أنفه، وراح يطلب من جموع المرضى ألا يتقاربوا، وأن يجلسوا تحت النخلة، وأمام بيت الحاج مليجي الذي يشبه اليافطة ، وعلى مسافات أعلى درج جامع ميت كنافة البحري. وصاح بعد أن ضايقته الكمامة وتساقط النظارة المتكرر وتزاحم الناس في العيادة :
_ نصف العيادة عندها كورونا، ابعدوا عن بعض، جننتوني!
في اليوم التالي ذهب إلى المستشفى المركزي وعند الموعد المحدد أقبل عليه أخوه في ملابس (مبهدلة) وبدون كمامة، وكذلك زوجته بلا كمامة وعليها نفس أعراض البهدلة،ترك المريض الذي كان أمامه لطبيب آخر، وأسرع إليهما وسط صيحات اعتراض من المرضى، لكنه خرج بخطوات بائسة من ثقل ملابس العزل في المستشفى، حتى أنه يجد صعوبة في تعديل نظارته الواسعة التي حاول كثيرًا أن يلقيها في وجه كل مريض لا ينفذ أوامره او يغضبه فهو سريع الانفعال والشتم والضرب، وعندما وصل إليه سأله مغضبًا :
أين كمامتك وكمامة زوجتك؟
لم يجد إجابة بعد أن تبادلا النظرات، ولعلمه كيف سيكون رد فعل أخيه لم يتكلم، فأردف بسؤال آخر بطريقة أشبه بالشتم والسب :
أين السائق لأرشده عما يفعل؟
أجابه بصوت خفيض وعين مكسورة وكأنما هو (عامل) عملة :
_ هذه سيارة أجرة، وليست سيارة خاصة كما طلبت مني!
أخبرني بعض من حضر الواقعة أن الطبيب ألقمه لكمة بكامل يديه حطمت الصف العلوي من أسنانه، وبعدها فقد النطق، وأنا الآن في طريقي لزيارته بمستشفى العباسية للأمراض النفسية!
التعليقات مغلقة.