“انظر حولك “و قضية تنظيم الأسرة…بقلم أسـمـاء الـبـيـطـار
قضية تنظيم الأسرة من القضايا المهمة التي لابد أن نفرد لها مساحة و سنتحدث عنها بطريقة موضوعية من قلب الواقع
ولا يخفى على أحد منا الوضع السكاني المتزايد رغم التطور و التقدم العلمي و الطبي في هذا المجال …. و لكن ؟
..
فأنا من جيل السبعينات الذي تشبع بإعلانات تنظيم الأسرة من منتصف الثمانينات إلي منتصف التسعينات تقريبا
حيث كانت هناك حملات منظمة إعلاميا لتوعية المواطنين بأهمية تنظيم الأسرة
..
و فرق كبير جدا بين تنظيم النسل و تحديد النسل ،و لن ندخل في قضايا فقهية و سنتركها لأهلها .
..
لكننا سنتحدث في مقالنا هذا عن أهمية تنظيم الأسرة من الناحية الاجتماعية و مدى تأثير عدد أفراد الأسرة على صحتهم النفسية في المستقبل .
..
الكثير منا خرج من عائلات ذات كثافة عددية كبيرة ، حيث كان هناك بعض المفاهيم السائدة في تلك الفترات منها مثلا :
أن كثرة الأبناء عزوة . أن تظل السيدة تنجب إلي أن يأتي الذكر .
_أن تظل السيدة تنجب اعتقادا منها أنها ما زالت صغيرة و لا تتوقف عن الإنجاب إلا من انقطع طمثها فقط .
..
لن نسترسل في الأسباب و سندخل في الموضوع مباشرة .
..
ذكرنا مسبقا أن معظمنا خرج من عائلات ذات كثافة عددية كبيرة – لأحد الأسباب السابقة – و كانت المرأة تتزوج في سن مبكر جدا فتنجب الطفل بعد الأخر حتى قبل أن يتم فطام الطفل الأول ، وكانت أعمار الإخوة قريبة جدا من بعضها البعض ؛ حيث كانت كل أسرة لا يقل عدد أفرادها عن عشرة أفراد إن لم يكن أكثر ، كل هذا و المرأة ما زالت في عقدها الثالث !!.
فأغلبنا خرج من عائلات لا تُعرف الجدة من بناتها ، و لا الجد من أبنائه الذكور .
..
لكن المشكلة سرعان ما ظهرت في سن شباب الأبناء خاصة الكبار منهم
سواء بنين أو بنات .
فكان الإخوة الكبار بمثابة آباء و أمهات لإخوانهم الأصغر .
و كانوا يشاركون والديهم في كل شئ فمن المساعدة في التعليم إلى الرعاية و المتابعة و كانت المسؤولية شبة كاملة خاصة إذا كان الأب عاملا بسيطا أو حتى موظفا دخله محدود .
و لن نبالغ إذا قلنا أن هذا الوضع استمر حتى بعد زواج الإخوة الكبار .
..
فكانت أكبر و أهم نتيجة ترتبت على هذا الوضع هو أن خرج الأبناء الكبار متشبعين بغريزة الأبوة و الأمومة منذ صغرهم
فخرجوا إلي عالمهم الخاص و كاهلهم مثقل برعاية إخوانهم .
وكانت من أعظم النتائج المترتبة على هذا الوضع فتور ..
الرجل تجاه أبنائه بعد أن ترك تقريبا المسئولية كاملة على الزوجة
حيث كان نصف عقله مع أخوته و النصف الآخر في دوامة الحياة و متطلباتها .
..
وكذلك الأخت الكبرى التي جعلتها غريزة الأمومة القوية تتحمل فوق طاقتها فأصبحت تعيش في عمر أكبر من عمرها الحقيقي لترعى أبناءها بجسد منهك و بعقل مثقل و بروح بها شيىء من الفتور و ضيق الخُلق تجاه الأبناء .
و للأسف يصل لهم هذا الشعور في سن الإدراك لمعاني الكلمات و الجُمل التي تُلقيها عليهم بكل تلقائية و دون قصد .
كأن تقول لهم مثلا ” أنا ياما ذاكرت لأخواتي ، أو لعبت معهم ، أو خرجنا أو أو ……. ألخ .
في حين أنها لا تستطيع أن تفعل نصف ما كانت تفعله مع أبنائها .
حتى و إن فعلت فسيكون ذلك من باب الواجب ، و لن يكون بالقدر الكافي لكي يشعر الأبناء بالرضا التام .
..
هذه الحقيقة للأسف عاشها الكثير منا عندما سمع ” من أو عن ” أبائنا ما لم يمارسوه معنا .
..
فخرج منا جيل ما بين شديد الجَلد
و تَحمّل مسئولية نفسه بنفسه ، و بين جيل عنده نقص للحنان و الرعاية و المتابعة .
..
و لن أخفيكم سرا فقد رأيت غيرة بعض الأبناء من أعمامهم و عماتهم حين ينادون أبيهم بنفس ندائهم له ” بابا ” ، ناهيك عن فقد الإخوة الكبار لمرحلة مهمة من أعمارهم لم يستمتعوا بها و هي مرحلة الشباب التي ضاعت في تحمل المسئولية في سن مبكرة ووضعتهم في ضغط نفسي عائلي كبير ، إلي جانب افتقاد الكثير منهم لنفسه و حياته الخاصة و سلامه الداخلي حتى بعد أن تزوج و أنجب .
ويظهر هذا الحال واضحا في سن متأخر للأسف عندما يكبر جميع الصغار و ينشغلون بحياتهم الخاصة .
..
و هناك من لم يتزوج و ظل يدور في هذه الدائرة حتى سرقه العمر و استسلم لقدره .
و لكي نكون منصفين؛ منهم من وجد نتيجة تضحيته ، و منهم من لم يجد سوى النكران و الجحود و الوحدة .
..
تخيل معي كل هذه السلبيات و الدمار النفسي لشاب أو شابة تحملت مسئولية مبكرة و ربت جيلها بتشبع و فتور ، فنتج عنها جيل محروم عاطفيا .
فماذا سيعطي جيلها لأبناءه ؟
..
تحدثنا فقط عن الأثار السلبية و مدى تأثيرها على الصحة النفسية لأجيال قادمة .
..
فما بالك لو تحدثنا عن الحرمان و تفضيل الغير على نفسك سواء برضاك أو بإجبار على ذلك لاعتبارات كثيرة .
..
تخيل حضرتك مدى وهن الأجيال التي ستخرجها إلي المجتمع الأكبر .
..
و رغم ذلك ما زال الوضع على ما هو عليه رغم المعاناة و النصائح و الإعلانات و جهود الدولة علي المستوي الإعلامي و الصحي .
..
فمن الواضح أن العملية ليست توعوية فقط بضرورة تنظيم النسل لاعتبارات إجتماعية و اقتصادية و صحية و نفسية
على المدى القريب و البعيد .
و لكن هناك موروث سلبي لابد من الانتباه له و العمل عليه ، ألا و هو ” الذكورية ” أو وحدانية الذكر أيضاً
حتى إذا أتت به المرأة ، فلابد أن يتزوج صغيرا ، فقط لينجب حتى لاينقطع نسله و إسم أبيه و العائلة …
..
وسأختم مقالي هذا بهذه القصة القصيرة الممتدة الجذور :
..
كنت منذ أيام قليلة اشتري بعضا من مستلزمات المنزل ، فاستوقفتني سيدة و ثلاث بنات أعمارهم متقاربة جدا لتسألني عن محل للذهب ، ودون أن استفسر منها واصلت حديثها و الفرحة تغمرها و قالت : “أصل أختي أخيرا جابت الولد على الأربع بنات “.
“أصل زي ما أنتي شايفة كدة خلفتنا كلها بنات “
..
وهنا مربط الفرس
فمهما فعلنا و تضافرت الجهود على جميع المستويات لن نجد نتيجة حقيقية و ملموسة .
ما دامت الأفكار محلك سر .
التعليقات مغلقة.