انفجار
بقلم شهرزاد فايزة المياني
” كانت ” تلك أول كلمة تبدأ بها السطر ! هل تراكمت الذكريات حتى أغلقت أبواب الأمنيات فمنعت بصيص الأمل أن يتسلل إلى فؤادها الواهن ! كيف يشيخ القلب و مازالت السنون في عنفوانها و بابها يطرقه كل يوم خاطب ؟! كلهم سطحيون قلوبهم جوفاء ملأ الزيف جوفهم حتى عصب أعينهم و ترنحت بصيرتهم ! لم يسأل أحدهم نفسه مرة لما تذرف دموعها عندما تضحك ؟ لما تضحك على أتفه المواقف مع زميلاتها ؟ لما تفاجئ الجميع برد فعل طفولي تلقائي و عفوي ؟ لما تتعامل مع الأمور باستخفاف و لا مبالاة فلا تكترث لترهيب أو يشدها ترغيب ؟ إنهم لم يسمعوا نشيجها أبدا لأنهم لم يسألوها و لم يكشفوا عن ذلك الجرح المتقيح الذي تخفيه بالابتسامة الساحرة و الألوان الجذابة التي ترتديها ! لتعود آخر اليوم تلقي بجوفها ركاما من المهدئات ! لم يكن غير سريرها الذي يعرف عذابات روحها ، و هشاشة قلبها، انتظرت في مكتب الاستقبال طويلا و دخل أثناء حديثها مع زميل له فألقى السلام في استعجال ملحوظ ، ارتجف قلبها حتى سرت رعدة في أوصالها فخفضت رأسها و استجمعت يديها كأنما تربت و تشد من أزر ذلك القلب الذي ملأه الحنين ، الذي مرت عليه السنون لكنها لم تنل من لهفته شيئا ، و بينما تجاهد نفسها أن تتماسك و تنتظر أن يسلم عليها ، و تفكر كيف سترد عليه و بأي كلمة ستحييه … استدار مغادرًا المكتب فلم يتعرف عليها !
لم تدر هل خرج وحده أم انتزع روحها معه ! حتى انتبه محدثها إليها و هو يرفع صوته لينتشلها من تلك الهوة التي انزلقت فيها ، التفتت إليه و حبات العرق تغطي جبينها الحنطي و وجهها الشاحب يعلن انهزام الحياة فيه ! طلب منها أن تأخذ نفسا عميقا و أحضر لها كأس عصير بارد … كيف غادرت ؟ و كيف قطعت كل تلك المسافة ؟ لا شيء غير أنها تحركت بصورة آلية حتى وقفت أمام الباب ! الباب لا يفتح ، يداها المرتعشتان لا تتحكمان في المفتاح حتى سقط على الأرض و في بطء استندت إلى الجدار و أحضرته ، أخيرا فتحته ، دخلت و أغلقته دون أن تشعل الأنوار ، و مرة أخرى رافقها الجدار و تحاملت عليه كصديق قديم رافقها حتى السرير ، ارتمت و تجمعت كجنين يحتضر. كان الجو حارا لكن قلبها ينتفض ، كانت _ فقط _ تحتاج أن تمتلك القوة الكافية لتصرخ و تعلن له و للعالم عن وجودها كطفل وليد يستقبل الحياة ، كانت تحتاج لتلك القوة لتندفع خلفه فتواجه تلك السنوات التي خنقت في ذاكرته فكرة ظهورها مرة أخرى ، كانت تحتاج لتلك الطاقة حتى تنطلق كمهرة جامحة ترى الفضاء الرحب لأول مرة ، كانت تحتاج أن تبكي كثيرا و يسمعها دون أن تثقله بحديثها ، فقط يسمح لها أن تبكي ، و يسمح لقلبه أن يكتنفها في ضلعيه. سريعا مرت كل الذكريات في تكدس جنود مهزومة لحظة الفرار من نفق أمام عينيها كشريط سينما بالأبيض و الأسود ، كل الأحداث متلاحقة ، و المشاهد خاطفة ، لا شيء يقطع الصمت ، دموعها التي تحجرت في عينيها سال بدلا منها نزيف من فمها و أنفها و كأن قلبها انفجر عندما كبح جماح أمنياته الخذلان فمزق نياط الآمال في لحظة انتظار !
التعليقات مغلقة.