انْتِشَارُ الأَمْرَاضِ …
بقلم أحمد إبراهيم مرعوه
انْتِشَارُ الأَمْرَاضِ
من أرشيفي ـ انْتَشَرَتِ الْبِدَعُ فِي الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ الْمَرِيضِ حَتَّى أَصْبَحَ الرِّزْقُ مُرْتَبِطًا بِآلَامِ الآخَرِينَ، بَعْدَمَا كَثُرَتِ الْأَمْرَاضُ بِسَبَبِ التَّلَوُّثِ الَّذِي لَوَّثَ كُلَّ مَنَاحِي الْحَيَاةِ، وَفِي النِّهَايَةِ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا لِلتَّصرِيفِ إِلَّا فِي نَهْرِ النَّيْلِ، وَمَعَ عَدَمِ الْوَعْي وَالثَّقَافَةِ، وَعَدَمِ الرِّعَايَةِ وَالرَّقَابَةِ مِنْ جِهَةِ الْحُكُومَاتِ، أَطْبَقَ اللَّيْلُ سُدُولَهُ، وَانْتَشَرَ الْجَهْلُ الْمُمِيتُ تَحْتَ أجْنِحَةِ الظَّلَامِ الدَّامِسِ فَمَاتَتِ النَّظَافَةُ، وَمَا اكْتَرَثَ الْمُجْتَمَعُ لِمَوْتِهَا، بَلْ شَارَكَ الكُلُّ بِطَرِيقَةٍ أَوْ بِأُخْرَى فِي وَأْدِهَا، وَمَاتَتِ الضَّمَائِرُ، وَضَاعَتِ الْهِمَمُ، وَقَلَّتِ الْعَزَائِمُ، وَوَهَنَ النَّاسُ، وَمَاتَ الْمَشَايِخُ وَ الدُّعَاةُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَلَمْ نَعُدْ نَجِدُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الدُّرُوسِ الْغَيْرِ مُقَرَّرَةٍ فِي كُتُبِ الْمَدَارِسِ!
لِذَا تَهَالَكَتْ مُعْظَمُ المَبَانِي حَتَّى طَالَتِ الْمُسْتَشْفَيَاتِ الْحُكُومِيَّةِ وَجُدْرَانِهَا الَّتِي هَرِمَتْ وَأَصْبَحَتْ حُجُرَاتُهَا مَسْرَحًا لِعَبَثِ الْقَوَارِضِ وَالْحَشَرَاتِ، وَالْقِطَطَ الَّتِي تَبْحَثُ عَنْ طَعَامِهَا فِي أَكْوَامِ الْمُخَلَّفَاتِ وَالنُّفَايَاتِ الَّتِي لَا تَسِيرُ فِي طَرِيقِهَا إِلَى مَصَانِعِ تَدْويرِ الْقُمَامَةِ، بَلْ إِلَى مَصَانِعِ الْبلَاسْتِيكِ الَّتِي تَصْنَعُ مِنْهَا الْأَمْشَاطَ وَفُرَشَ الشَّعْرِ، وَأَدَوَاتِ الْحِلَاَقَةِ وَالتَّزَيُّنِ، وَأَدَوَاتِ النَّظَافَةِ، وَأَطْبَاقَ الْمَائِدَةِ، وَالْأَكْيَاسَ الَّتِي تُبَاعُ فِيهَا الْفَاكِهَةُ، خَاصَّةً السَّوْدَاءَ الَّتِي تَحْتَوِي عَلَى كُلِّ الْقَاذُورَاتِ فِي صِنَاعَتِهَا، لِذَا يُغَلِّفُهَا اللَّوْنُ الْأسْوَدُ كَالْلَّيْلِ الدَّامِسِ الَّذِي يَسْتُرُ كُلَّ شَيْءٍ.
وَمِنْ غَرَائِبِ الْبِدَعِ فَإِنَّ النَّاسَ لَا تَحْرِصُ إِلَّا عَلَى شِرَاءِ هَذِهِ الْأَكْيَاسِ السَّوْدَاءِ بِحُجَّةِ أَنَّهَا تَسْتُرُ مَا بِدَاخِلِهَا مِنْ نِعَمٍ، وَكَيْلَا تَحْسُدُهَا أُمُّ الْعَيُونِ الصَّفْرَاءِ ؛ والأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَكْيَاسَ حِينَمَا تَضَعُ فِيهَا الْخُبْزَ السَّاخِنَ تَتَحَلَّلُ مِنْهَا الْعَنَاصِرُ الْمُمِيتَةُ لِتُتَخَلَّلَ الْخُبْزَ الَّذِي نَأْكُلُهُ، فَنَمْرَضُ وَيَنْتَشِرُ رَزَازُ الْمَرَضِ فِي الْمُوَاصَلَاتِ المُتَكَدَّسَةِ، وَالْعِيَادَاتِ الَّتِي تُسَاهِمُ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ فِي انْتِقَالِ الْعَدْوَى، وَالَّتِي تُفْرِزُ مَزِيدًا مِنَ الْأَمْرَاضِ فَوْقَ مَرَضِنَا، وَانْتِشَارِ البِكْتِرْيَا، وَانْتِقَالِ الْفِيرُوسَاتِ جَمِيعِهَا، وَمِنْهَا الْكَبَدِيَّةُ الَّتِي احْتَلَّتْ مِصْرَ خَاصَّةً، لِذَا لَقَّبُوهَا بِمِنْطَقَةِ الْفِيرُوسِ (C) أَوْ بِأَمْرَاضِ الدِّلْتَا وَالْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ!
ومُلِئَتْ عِيَادَاتُ الْأَطِبَّاءِ بِالْمَرْضَى الَّذِينَ يَتَمَنَّوْنَ مَوْتَ الطَّبِيبِ وَقْتَ دَفْعِهِمْ لِلْمَبَالِغِ الطَّائِلَةِ وَالمُتَشَفِّيَةِ فِي مَرَضِهِمْ، وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنْ تَجِدَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَرْبِطُ هَذَا أَيْضًا بِكَيْفِيَّةِ عَيْشِ الطَّبِيبِ فِي مُجْتَمَعٍ بِلَا أَمْرَاضٍ وَبِلَا اسْتِغْلَاَلٍ، وَكَيْفِيَّةِ عَيْشِ الصَّيْدَلِيِّ الْمُحْتَكِرِ لِلدَّوَاءِ لِرَفْعِ قِيمَتِهِ مَتَى يَشَاءُ، وَدَافِنِ المَوْتَى الْمُنْتَظَرِ فِي الْمَسْجِدِ لِيُلَبِّي النِّدَاءَ، فَكَيْفَ يَعِيشُ فِي مُجْتَمَعٍ بِلَا مَوْتًى وَبِلَا دَاءٍ!
وَمُقْرِئِ الْقُرْآنَ الَّذِي مَا زَالَ يَنْتَظِرُ، وَعُمَّالِ الْفَرَاشَةِ الَّذِينَ يَقْضِمُونَ أَظَافِرَهُمْ مِنْ كَثْرَةِ الانْتِظَارِ، وَمَا زَالَ الْعَاطِلُونَ يَنْتَظِرُونَ مَرَاسِمَ الْعَزَاءِ، وَالَّتِي أَصْبَحَتْ حَفَلَاتٍ لِقِرَاءةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الْمَصْحُوبِ (بِالتَّصْوِيرِ الْفُوتُوغرَافِيِّ، وَبِالْْفِيدْيُوِ، وَبَقِيَّةِ أَعْمَالِ المُونْتَاجِ) وَالْمَشْرُوبَاتِ الْكَثِيرَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ تُغَذِّي الْكَثِيرَيْنِ مِنَ الْحَاضِرِينَ لِمَرَاسِمِ الْعَزَاءِ، وَعُمَّالَ النَّظَافَةِ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ (لِلْمَبْلَغِ الْمَعْلُومِ مِنَ النُّقُودِ) فِي مُجْتَمَعٍ لَا يَخْلُو مِنَ الْقُمَامَةِ وَالْمُخَلَّفَاتِ، وَالْأَدْوِيَةِ الْمُمِيتَةِ لِلْقَوَارِضِ وَالْحَشَرَاتِ أَصْبَحَتْ لَا تَتَفَاعَلُ مَعَهَا لِاِنْتِهَاءِ الْمَفْعُولِ!
وَالْبَلَاءُ يَكْثُرُ وَالْمَصَائِبُ تَزِيدُ وَلَا أحَدَ يَرْتَعِدُ فَيَبْتَعِدُ، وَلَا يَزِيدُهُمَا هَمًّا وَغَمًّا إِلَّا الْإِنْسَانُ بِكَثْرَةِ بِدَعِهِ وَاِدِّعَاءَاتِهِ الْبَاطِلَةِ، ثُمَّ نَجْدٌ مِنْ بَيْنِنَا مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يَعِيشُ فِي الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ النَّظِيفِ، وَلَا أَدْرِي أَيَّ نَظَافَةٍ يَقْصِدُ هَذَا الْوَاهِمُ غَيْرَ الَّتِي نَظَّفَتْهُ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ نَظِيفٌ!
مَاجِسْتِير: أَحْمَدُ إِبْرَاهِيمُ مَرْعُوه
وباحث في مرحلة الدكتوراه
التعليقات مغلقة.