موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

“ايش تاخد من تفليسى يا برديسى ” وثورة ٢٣ يوليو بقلم د. أحمد دبيان

471

“ايش تاخد من تفليسى يا برديسى ” وثورة ٢٣ يوليو بقلم د. أحمد دبيان‎

‎بعد خروج الحملة الفرنسية إشتد الصراع بين المماليك ، إلى ان تمكن واحد منهم يدعى “عثمان بك البرديسى ” من الانفراد بالحكم، لكنه وجد نفسه فى جانب والشعب المنهك بالضرائب فى جانب آخر، وبالذات عندما اشتد بطش وقسوة أمراء المماليك فى الأقاليم على الناس، وازداد الأمر سوءا بحدوث الجفاف الذى أصاب الأراضى الزراعية، مما أدى إلى نقص الغلال وارتفاع أسعار السلع فى الأسواق، إلى جانب ظلم جنود المماليك بنهب ممتلكات أهل المحروسة، وظهرت أزمة جديدة للبرديسى حين طالب الجنود برواتبهم المتأخرة، فوعدهم بتدبير تلك الأموال خلال أيام، سرح كتاب ” الفردة ” والمهندسين ومع كل جماعة منهم نفر من الجند فى يوم الأربعاء ٦ مارس ١٨٠٤ طافوا يكتبون قوائم الأملاك، فنزل بالناس ما لا يوصف من الهم والغم والغضب بسبب الغلاء ووقف الحال، فلما كان فى عصر ذلك اليوم نطقت أفواه الناس بقولهم : ” الفِردة بطّالة “، وذهبوا نواحى باب الشعرية، وضج الفقراء والعامة والطوائف، وخرجت النساء يصرخن ويندبن وينعين ويقلن كلاما على الأمراء مثل : ” حرام عليك يا برديسى.. ايش تاخد من تفليسى “، وخرج الجميع ومعهم طبول وبيارق وبأيديهم دفوف يضربون عليها، وأغلقوا الدكاكين وحضر الجمع إلى الجامع الأزهر، فلم يستجب البرديسى لخروج الشعب ضد الظلم والقهر والفساد، ووقف حيال مطالبهم.

‎ويقول الجبرتى إن “البرديسى” أظهر الغيظ وخرج من بيته غاضبا إلى جهة مصر القديمة، وهو يلعن أهل المحروسة ويقول : “لابد من تقرير الضرائب عليهم لثلاث سنوات، وسأفعل بهم لأنهم لم يمتثلوا لأوامرنا “، فانتشر غضب أبناء المحروسة وامتد من القاهرة إلى رشيد ودمياط وسائرالاقاليم على الحكام المماليك، فشرع محمد على فى كشف المماليك أمام الشعب وانضم إلى العلماء والمشايخ والشعب وهاجم الجنود المماليك بالقاهرة وقتل منهم ٣٥٠ جنديا وفرمن تبقى منهم إلى الصعيد مثل قائدهم ” البرديسى “، وتعهد محمد على برفع هذه الضريبة، ونجح بالفعل فى إزالة دولة المماليك وقضى على حكمهم ولم تقم لهم بعد ذلك قائمة، وأبطل الضريبة التى كانت سببا فى الغضب والتى جعلت النسوة يرددن وقت الأزمة : ” حرام عليك يا برديسى.. ايش تاخد من تفليسى “.

‎بدلاً ان يسلم الشعب المصرى مقاليد الحكم لحكومة ديراكتور أو إدارة شعبية ليحكم نفسه بنفسه ، آثر هو ونخبته من العلماء والتجار طليعة مثقفى عصره ان جاز التعبير ، آثروا السلامة وأسلموا مقاليد حكمهم لمحمد على العسكرى الألبانى .

‎ربما تمثل هذه اللحظة مفتاحاً تاريخياً فارقاً ، بارزاً لحال تطور المجتمع المصرى من بدايات القرن التاسع عشر الى بدايات القرن الواحد والعشرين .

‎تتوه تعاريف العلوم السياسية فى تشخيص مفردات الثورة والإنقلاب، لتصف الثورة بالتغيير السياسى الإجتماعى الذى تقوم به الأمة عن طريق جماهيرها ، أو طلائعها أو نخبها أو أدواتها السياسية أو الدستورية أو العسكرية .

‎تشخص المفردات السياسية الواقع التاريخى لمجتمعات يتفاوت تطورها التاريخى مستلهمة أحداثاً ووقائع تاريخية تعضد بها التعاريف والتشخيصات.

‎لتقع فى اشكالية مدى مواءمة هذه التعريفات لمجتمعات تتباين فى درجة نضجها التاريخى.

‎منذ خروج الهبة الجماهيرية ضد البرديسى والتى كانت تمثل الفرصة الأخيرة لأن تضع جماهير الأمة المصرية نفسها فى الطليعة انتهى ا لأمر الى الأدوات العسكرية فى المقام الأول لتحقيق آمال الأمة وتطلعاتها.

‎ورغم هبات جماهيرية محلية فى الصعيد خصوصاً كثورتى الشيخ أحمد عبيد ضد الوالى محمد على بعد استيلائه على الأراضى الزراعية لحساب نفسه بموجب قانون الإحتكار وثورة ابنه الشيخ أحمد الطيب ضد الخديوى إسماعيل بعد الإفراط فى توزيع الأراضى الزراعية على الأجانب واللتين تم قمعهما بدموية انتهى الأمر الى الجيش المصرى بفرد طليعى يستطيع القيام بتغيير ما .

‎فى كتابه دور الفرد فى التاريخ

‎يقول الكاتب الماركسى جورجى بليخانوف:

‎ “وللأفراد غالبًا تأثير كبير على مصير المجتمع، ولكن هذا التأثير محدد بالبنية الداخلية لهذا المجتمع، ووضعه بالنسبة للمجتمعات الأخرى. ولا يمكن لهذا التأثير تحديد المسار الذي تأخذه الأحداث. إن بوسعه أن يحرفها في لحظة من اللحظات، أو يؤخرها أو يزيد من سرعتها” فلنفترض أن روبسبيير كان في حزبه شخصًا لا يمكن الاستغناء عنه (…)، ولكن لو أنه مات في يناير (كانون الثاني) ١٨٧٣ من جراء سقوط قطعة قرميد على رأسه مثلاً، لأخذ شخص آخر مكانه دون شك، ولسارت الأحداث في الاتجاه نفسه، حتى لو كان هذا الشخص الجديد أقل من روبسبيير في كل شيء (…). ولو أن رصاصة قتلت بونابرت في معركة أركول لجاء جنرالات آخرون وفعلوا ما فعله في حملاته الإيطالية وغيرها… إلخ”، وينطبق القول نفسه على ١٨ برومير وما تلاه: فقد كانت إعادة استتباب النظام بحاجة “لسيف جيد”. وكان المرشحون للعب هذا الدور كثيرين، وكان وصول أحدهم إلى هذا المنصب يعني بالضرورة سعيه إلى ضرب الآخرين دون رحمة، وتدمير شخصية القائد المحتمل الكامنة فيهم. والخلاصة: يستطيع الأشخاص المُهمون بفضل خصائصهم وفكرهم وروحهم تعديل الشكل الخاص بالأحداث، ونتائجها الجزئية ولكنهم عاجزون عن تبديل الاتجاه العام المحدد من قِبل قوًى أُخرى”.

‎يضع بليخانوف نظريته محددا دور الفرد بسياق المجتمع العام وأحداثه وانه ان اختفى هذا الفرد سيأتى من يحل محله.

الواقع ان طرح بليخانوف يأتى فى اطار تطور مجتمع أو مجتمعات القياس النظرى ما يتناقض مع الوقائع التاريخية فالثورة الروسية قامت بثورة مجلس الدوما وتصدر الكسندر كيرنسكى ولكن دور فلاديمير لينين فى منهجة التطبيق الثورى هو ما صنع للثورة الروسية زخمها وقدرتها على التأثير .

كذلك يظل دور ماوتسى تونج وجورج واشنطن هو الدور الاساسى للتغيير الثورى فى الصين وامريكا ، ولا نستطيع على سبيل المثال وصف الثورة الأمريكية بالإنقلاب العسكرى لمجرد ان الجنرال جورج واشنطن كان ضابطاً فى الجيش البريطانى وقاد الثورة ضد التاج البريطانى .

جاءت الطليعة المصرية بتصدر المتعلمين من النخب المصرية وخصوصاً بعد ان فتح الوالى سعيد باب التجنيد للفلاحين المصريين فكانت الطليعة ممثلة فى أحمد عرابى ورفاقه والذين قادوا التغيير الثورى فى عابدين ومن بعدها فى الكومونة المصرية حين استعان الخائن توفيق بالقوة الانجليزية ضد التغيير الثورى الذى تصدره الجيش المصرى وعرابى فانتهى الامر بحكومة ثورية فى لحظة مواجهة التدخل الاجنبى انتخب فيها الشعب أحمد عرابى وحكمت مؤسساته الدينية بخيانة الخديوى واستطاع السعب فيها ان يضع يده على الأراضى التى انتهبها الاقطاع المساند للخائن توفيق والداعم للغزو الأجنبى .

لم تستطع النخب والطلائع المدنية ممثلة فى مصطفى كامل او محمد فريد والذين جاء نضالهما تحت مظلة الغطاء الخديوى والخلافة العثمانية للتخلص من الغزو الأجنبى الغربى بابداله بالغزو الاجنبى العثمانى ولياتى سعد زغلول الذى هادن هو وشقيقه الاستعمار البريطانى وكرومره حيناً ليتصدروا المشهد الثورى فى ثورة ١٩١٩ ولينتهى الأخر باجهاض تام للثورة وزخمها واقصاء رموزها المسلحة الصانعة للتغيير ممثلة فى قائد التنظيم السرى المسلح ضابط الجيش عبد الرحمن بك فهمى .

ظلت حراكات الأمة زخماً جماهيريا مفتقداً القدرة على التغيير فى الثلاثينات والأربعينيات ليتم التلاعب بالحياة الحزبية فتارة يتم العودة لدستور ١٩٢٣ بعد دستور صدقى لعام ١٩٣٠ وتارة تأتى أحزاب القصر وتارات احزاب يدعمها الإنجليز الى ان انتهى الحال لان يتصدر حزب الوفد سدة الحكم على فوهات الدبابات الإنجليزية .

جاءت ثورة ٢٣ يوليو جراحة تاريخية معتدلة ابتعدت عن حمامات الدم على غرار الثورات الفرنسية والروسية والصينية تصدر فيها جمال عبد الناصر المشهد الثورى والذى لم يكن هناك حسب بليخانوف بديلاً يستطيع التغيير الثورى الا هو فتحقق بالتعريف الثورى تغييراً سياسياً اجتماعيا للأمة وجماهيرها ، اكتسبت به الطبقة الفلاحية الكادحة ما لم تستطع اكتسابه منذ عصور الفراعنة .

ربما تأتى إشكالية يوليو وقصورها انها لم تكن راديكالية كما يجب فحاولت دمج عناصر الإقطاع والرأسمالية المنتهبة وتهذيبها واصلاحها ما شكل عناصر الثورة المضادة وانقضاضها على مكتسبات الجماهير التى اسلمت مقاديرها فى النهاية بتخلفها التطورى الى فرد آخر تصدر مشهد الانقلاب الثورى المضاد و لتنتهى تلك الجماهير الى تمجيده وتقديسه واسباغ العصمة على ارتداداته الثورية الاجتماعية.

وتظل ثورة ٢٣ يوليو المنتهية فى ٢٨ سبتمبر عام ١٩٧٠ عرضا تاريخياً لم يدم جاء جراحة معتدلة فتحت باب السدة التاريخية الإجتماعية التى رزح فيها المصريون منذ عصور الفراعين تحت استبداد طغمة الحكم الاقطاعى المساند للديكتاتور الفرعونى المملوكى أو الألبانى لمسارات الدفع الاجتماعى الذى ينعم به المصريون اليوم رغم كل محاولات ترسيخ الاقطاع القديم الجارية منذ السبعينات الى اليوم ومجتمع النصف فى المائة المعاصر.

التعليقات مغلقة.