اِستِـــــلاب…للشاعر المغربي عبد اللطيف غسري
1
ضَبابٌ كرَأسِ الدُّجَى المُطْرقِ
كنَوْءِ الضَّنى الواصِلِ المُغْدِقِ
يُنازعُني جَدوَلَ القهقهاتِ
يَحُطُّ على قَلبِيَ المُشْفِقِ
أنا مَعْقِلُ الوجَعِ المُستطِيلِ
وَحَقلُ الأسى الغامِضِ الشيِّقِ
عَهِدْتُ إلى الحرْفِ بالأمْنِياتِ
أخذتُ على غَيْمِهِ مَوْثِقي
وما خانَ عهْديَ بلْ إنَّني
رَكَنْتُ إلى الضَّجَر المُحْدِقِ
تجَنَّبتُ كُلَّ المتاهاتِ حتَّى
توَغَّلتُ في دَرْبِهِ الضيِّقِ
توَضَّأتُ من مائِهِ المُسْتباحِ
تسَرْبلتُ في ظِلِّهِ المُحْرقِ
وأنفقْتُ فيهِ مِن الجَهْدِ حتى
لقد نَفقَتْ حِصَّةُ المُنْفِقِ
تلَفَّتُّ ناحِيَةَ الوقتِ أسْعى
على ساقِ مُغْتربٍ مُخْفِقِ
فاَينَ الطريقُ وَأينَ الجِهاتُ؟
وأينَ بِخارطَتِي مَشْرقي؟
غُبارُ الرَّتابةِ لا ينْقضِي
يَهُبُّ على الزَّمَنِ الرَّيِّقِ
فتَشحُبُ في جَوْفِهِ كلُّ ذِكرَى
أحِنُّ إلى وَجْهِها المُشْرقِ
شَرِقْتُ مِنَ الصُّوَرِ الرَّاقِصاتِ
على العينِ والصَّدرِ والمَفْرقِ
ومِن شَهْدِ ذاكرتي المُشْتهى
ومن صمْتِ خاطرتي المُطْبِقِ
ومِن نَوْحِ هذا المساءِ الجَريحِ
ومن كَدِّ هذا الضُّحى المُمْلِقِ
أجِئتُ إلى البحر كيْ أستريحَ؟
أمِ المَوجُ في لَهْوهِ مُقْلقي؟
أمِ الرَّملُ في بَوْحِهِ مُضْجري؟
أمِ البَحرُ في لحظةٍ مُغْرقي؟
أعَابرَةٌ نَجْدَةُ القافِيَاتِ؟
أمُجْدِيَةٌ لُغةُ المَنْطِقِ؟
وكيفَ يَلِذُّ أريجُ الخَواءِ
لِمُرْتشِفٍ مِنهُ مُسْتنْشِقِ؟
وكيفَ تُضيءُ النجومُ التي
تُطلُّ على أفُقٍ مُبْرقِ؟
2
أنا أنتَ يا قلبُ ! لا نََتَّقــــــــــي
هسيسًا منَ الشجنِ الأعمَـــــــقِ
كِلانا على الأرضِ لا نَدَّعـــي
صُعودًا إلى عُنُقِ المَضْيَـــــــقِ
ولا نُسْتَثارُ ولا نُسْتَفَـــــــــــــزُّ
ولا نسْتقِرُّ ولا نرْتقــــــــــــــي
وهذي سرابيلُنا من سُكـــــــونٍ
ومن صخَبٍ خافتٍ مُطلَـــــــقِ
وهذي خُطانا على الدربِ ولْهى
تدِبُّ إلى المَهْمهِ المُلْحَــــــــــقِ
بأيِّ عُروشِ الرضا نسْتظِـــــلُّ
ومن أيِّ أنوائه نسْتقـــــــــــــي
أسيران نحنُ بسِجنِ الخطــــابِ
ومُجْتمَعِ الكَفِّ والمِرْفََـــــــــــقِ
لنا حَقُّ رأْبِ العباراتِ لكِــــــنْ
على شَرْطِ مُلتمَسٍ مُسْبَـــــــــقِ
ولا نتملمَلُ إلا احْترقنـــــــــــــا
براجمةِ العَـــــــــــــذَلِ الأزرَقِ
أسيرانِ في مَجْلِسِ الطاعَتيــــنِ
ومُنتجَعِ الكأسِ والمِنْطَــــــــــقِ
لدينا بزاوية الأمر رُكـــــــــنٌ
رقابُ الرُّؤى فيهِ لم تُعْتَـــــــقِ
نُهَيِّئُ ألوانَهُ المنتقـــــــــــــــاةَ
نُوَشِّيهِ وفْقَ هوى المُنْتقِــــــي
ونَسمَعُ صوتَ المُقِلِّينَ يَــأوي
إلى مخْدَعِ الحذر الأخْـــــرَقِ
وخلفَ زجاجِ الشتاءِ الكئيــبِ
نُجادِلُ في المطرِ المُهْــــــرَقِ
نُسافرُ في هَمسَةِ الحالميـــــنَ
وفي لَهَفَةِ العائدِ المُرْهَـــــــقِ
وفي ضَحْكَةِ الصِّبْيةِ العابثينَ
وفي أنَّةِ البُلبُلِ الأبْلَـــــــــــقِ
تُرانا فقدْنا احْتِدامَ الشـــــعورِ
كأنَّا لِذلِكَ لم نُخْلَــــــــــــــــقِ
قرأنَا الوجودَ فلم نَختَلِـــــــجْ
رأينا الجمالَ فلم نَشْهَــــــــقِ
عَبَرْنا الظلامَ فلم ننتشِـــــــرْ
شَربْنا الفراغَ فلم نشْــــــرَقِ
وما لِمُعانقةِ الشيءِ معنــــى
إذا انْسَلَّ من وَجعٍ أحْمــــقِ
3
أشِحْ بمُحَيَّاكَ… لا تفسُقِ
وغادرْ حصونَ الصَّدى وامْرُقِ
حَصا أمّ ِعيْنِكَ لا ترْمِهِ
زجاجَ الفوانيسِ لا ترْشُقِ
سُيوفَ المواعيدِ لا تمْتشِقْ
جيوبَ الفساتينِ لا ترْمُقِ
وكنْ طائرًا فوق جِذعِ الهوى
ورفرفْ على غصْنِهِ واخْفُقِ
وكنْ حطبًا للجَوَى واحْترقْ
وأسْبِلْ دموعَكَ .. لا تخْنُقِ
وألْقِ البَنفسَجَ عن عَرْشِهِ
وإن مدَّ أعْناقَهُ فاشْنُقِ
وحَرِّق رسائلَكَ الفاتناتِ
وتحتَ رمادِ الكلامِ ابْرُقِ
وبَعثِرْ هداياكَ فوقَ الطريقِ
وشَرِّد حُروفَكَ.. لا ترْفُقِ
وإمَّا سَألناكَ لا! لا تُجبْ
وإمَّا أجَبْتَ فلا تَصْدُقِ
فنحنُ بنو الريحِ والرَّاحِ كمْ
حمَلنا الهواءَ على الأينُقِ
ونِمْنا على وَشْوَشاتِ الرِّمالِ
ونجْوى الخفافيشِ للأعْنُقِ
ولم نصْحُ حتى تعرَّى المساءُ
فلم نسْكُنِ الضوءَ أو نطْرُقِ
التعليقات مغلقة.