بئر التأمل
بقلم : د. إيمان عفيفي
كعادتي كل صباح ..جلست أتناول فطورى قبل أن أدخل في دوامة حياتي اليومية فاستوقفت عيناي تفاحة تسكن طبق الفاكهة فوق المائدة التي جلست عليها ..أكاد أمر علي هذا المنظر مئات المرات كل يوم و لكن لا أعلم لماذا حضر إلي ذهني في تلك اللحظة اسم اسحق نيوتن .هذا العالم الذي يلتف اسمه حول كوكبنا المعمور باكتشافه حقيقة الجاذبية عند سقوط تفاحة من شجرة أمام عينيه. شردت لعدة دقائق أفكر كيف أثرت تلك اللحظة في حياة هذا الرجل ؟! هل كان يجلس في هذا المكان ينتظر تلك التفاحة لتخلد اسمه عبر التاريخ؟؟ بالتأكيد لم و لن يعتقد أي منا ذلك ..ربما كان يلتقط أنفاسه بعد يوم شاق طويل أو يختلي بنفسه في لحظة حزن أو صمت من زحام الحياة أو حتي يحتسي مشروبه المفضل بعد وجبة ثقيلة كما نفعل جميعا مئات المرات. .و تساءلت بيني و بين نفسي كم من شخص جلس في نفس المكان لنفس السبب و تساقط أمامه العديد من ثمرات التفاح ثم مضي كل الي دربه دون أن نعلم عنه شيئا ..و لربما كان منهم من يجلس خاصة لالتقاط تلك الثمار .لماذا لم يتساءل أحدهم كيف تسقط الأشياء علي الارض بشكل عمودي مستقيم دون أن تتأرجح يمينا و يسارا ..لماذا لم تخرج لنا هذه الشجرة غير اسحق نيوتن واحد بعد العديد و العديد ممن سبقوه من المارة ..
إنها لحظة تأمل.. قد تصعد بالإنسان بين النجوم ليقف متلألئا ينير الظلام …إنها نظرة تلتقط بريقا يحول إحدانا من سائر داخل دائرة الحياة إلي قائد يحرك دائرة حياته بل حتي و حياة الآخرين.
السؤال الآن..هل التأمل و العمق بالتفكير موهبة تولد مع الإنسان أم مهارة يقتصها بخبرته عبر السنين؟! أعتقد أنها خليط من الاثنتين و لكن النصيب الأكبر للمهارة المكتسبة من بحثه و خبراته المختلفة علي مدار حياته. فالموهبة يجب أن تصقل جيدا لتتحول إلي مهارة فريدة ينبع منها الابداع و الا ستتلاشي تماما و نفقد كنزا ثمينا لا يعوض….فلننتزع مهارة التأمل من بين طيات حياتنا اليومية .
نمر كل يوم بكثير من المحطات ،نلتقي بالعديد من الوجوه،نصارع أمواج الحياة لنكمل رسالتنا و نصل لأهداف واضحة وضعناها لأنفسنا بأنفسنا ..فدعونا نفسح دائرة رؤيتنا ربما تكمن أهداف أجمل و أثمن لا نراها بنظرتنا السطحية .
تحمل كلمة بئر بعض معاني الظلام و كلما زاد عمقه زادت ظلمته و لكن هكذا يكمن اللؤلؤ الثمين في أعماق الأعماق بين ظلام الصخور .
ليحفر كل منا بئرا عميقا و يطلق لمخيلته عنان التأمل ، ربما تنحدر بداخله إحدى حبات المطر الكثيفة المتساقطة حولنا طول الطريق فتروى بذرة جافة كادت أن تموت و تنبت شجرة جديدة تثمر لنا ظلالها تفاحة نيوتن.
التعليقات مغلقة.