باب الحارة
من كتابي (عرق الحارة المصرية)
بقلم سيد جعيتم
قبل أن ندخل علي باب الحارة المصرية لا بد أن نذكر أن القاهرة كانت محاطة بأسوار ولها ثمانية أبواب، بناها جوهر الصقلي ( 355هـ – 969م ) ثم رممها بدر الدين الجمالي ( وزير الخليفة الفاطمي المستنصر بالله ومجدد القاهرة الفاطمية المتوفي سنة 487هـ) ، كان السور ضرورة استراتيجية لحماية القاهرة، وضم السور عدة أبواب تميزت بفن معماري فريد، يعتبر من فنون العمارة الحربية.
والأبواب الثمانية هي :
باب زويلة ، وباب الفرج في الجنوب، وباب الفتوح، وباب النصر في الشمال، وباب القراطين الذي عرف فيما بعد بباب المحروق، وباب البرقية في الشرق، وباب سعادة، ثم باب القنطرة في الغرب.
قام السلطان الغوري ببناء بابين، بوكالة القطن بخان الخليلي بالجمالية في عام 917 هـ /1511م بهدف حماية هذه الوكالة لإقامة التجار ومزاولة التجارة، وبني محمد علي باشا بوابة بيت القاضي بميدان بيت القاضي أمام مجموعة السلطان قلاوون بالجمالية، كما كانت هناك أبواب بالسور الشرقي منها: باب البحر، وباب الشعرية، والباب المحروق،باب الشعرية) أزيل سنة 1884)، باب الوزير: يقع بين الباب المحروق وقلعة الجبل، وما زال موجودًا حتى الآن، وقد أثارت القاهرة وأبوابها إعجاب رحالة القرن الثامن عشر الأوروبيين الذين سجلوا إعجابهم بها في كتب رحلاتهم يقول عنها المؤرخ الإنجليزي( ستانلى لينبول ) من لم يرى القاهرة لم يرى الدنيا ، فأرضها تبر ونيلها سحر ونسائها حواري الجنة ودورها قصور ونسيمها عليل .
نعود لباب الحارة
لكل حارة مصرية باب يفتح صباحًا ويغلق علي أهلها مساءً ، وكانت الأبواب تُحرس من جانب الفتوات وأتباعهم ويتم فتح وغلق الأبواب في وقت محدد فيحرص الناس على العودة قبل غلق الأبواب ، وتضاء الحارات بفوانيس تعلق على أبواب المنازل وهي عادة اكتسبها المصريون من أيام الحكم الفاطمي، مع الحرص على تعليق فانوس على باب كل حارة وظلت حارات القاهرة تُغلق بأبوابها حتي هدم الفرنسيون الأبواب، قال الجبرتي:
ـ إنه في يوم الثلاثاء 21 يوليو عام 1798م شرعوا في تكسير أبواب الدروب والبوابات النافذة وخرج عدة من عساكرهم يخلعون ويقلعون أبواب الدروب والعطف والحارات (1) وتكرر خلع الأبواب بواسطة الفرنسيين في 14 سبتمبر 1798م .
والفانوس الذي يعلق علي أبواب الحارات مأخوذ من فانوس رمضان وهو من الفنون الفلكلورية للشعب المصري وقد ارتبط بشهر رمضان الكريم ، وكلمة فانوس أصلها اغريقي، وفي بعض اللغات السامية يقال للفانوس فيها فناس، وقد خرج المصريون بالمشاعل والفوانيس لاستقبال الخليفة الفاطمي المعز لدين الله عند دخوله لمصر ليلًا، وقد أعجب الخليفة بالفكرة فكان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان محاطًا بالفوانيس التي يحملها الكبار والصغار، ويرددون الأغاني الجميلة تعبيرًا عن سعادتهم باستقبال شهر رمضان.
وقد أراد أحد الخلفاء الفاطميين أن يضئ شوارع القاهرة طوال ليالي شهر رمضان، فأمر بتعليق فوانيس علي المساجد ليتم اضاءتها، ولم يكن مسموح للنساء بالخروج ليلًا إلا في شهر رمضان فكان يسبقهن غلام يحمل فانوسًا لتنبيه الرجال بوجود سيدة في الطريق لكي يبتعدوا، وظل الناس متمسكين بتقليد الفانوس حيث يحمل الأطفال الفوانيس ويمشون في الشوارع ويتغنون بأغاني خاصة بشهر رمضان مثل) وحوي يا وحوي أيوحه أو إياحه) وأصلها فرعوني تنسب للملكة (إياح حتب) أم الملك أحمس احتفالًا بهزيمة الهكسوس، فكانوا يقولون (واح واح إياح) أي “تعيش تعيش إياح”، ويشير أثريون إلى أن المصريين القدماء كانوا يخرجون للترحيب بالقمر مطلع كل شهر، وكانوا يغنون “وحوي يا وحوي” مع مطلع كل شهر ، ويُقال أيضا إن عبارة “وحوي يا وحوي إياحة” تنتمي للغة القبطية، وتعني (اقتربوا اقتربوا لرؤية الهلال)، وهو أيضًا معنى مرتبط بشهر رمضان، وحتي الآن، لا توجد رواية مؤكدة عن سبب أو أصل التسمية. ومنذ ذلك الوقت وتحولت إلى (وحوي يا وحوي إياحه) ، ومن أغاني رمضان :
ـ حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو.. حل الكيس وادينا بقشيش لا نروح ما نجيش يا حالو.
وقد أًعجب الفرنسيين بفكرة الفوانيس فنادوا في 27 سبتمبر 1798م بإيقاد قناديل سهاري بالطرق والأسواق وأن يكون علي كل دار قنديل، وعلي كل ثلاثة دكاكين قنديل(2)
(1) المختار من الجبرتي ، طبعة كتاب الشعب ، الجزء الثالث ص 264
(2)المختار من الجبرتي ، طبعة كتاب الشعب ، الجزء الثالث ص 265
انتظرونى مع باب الحارة والحملة الفرنسية على مصر
التعليقات مغلقة.