باقلاء بالدهن بقلم حيدر البسام العراق
صباحًا على انغام فيروز ( نسم علينا الهوى ) متوجهًا الى عملي ، مررت بمطعم ( حجي محمد ) أشهر من يقدم ( تشريب الباجلة بالدهن ) في منطقتنا .
الحقيقة ان رائحة ( البطنج) و( النارنج ) جعلتني مسلوب الإرادة ، وبدون مقاومة ترجلت من سيارتي لاحجز أحد المقاعد القليلة التي تنتشر على رصيف الشارع المؤدي الى منطقة الكرادة .
نزعت سترتي ورميتها على المقعد الأمامي للسيارة ، رفعت كم قميصي الى الكوع استعدادًا للقاء العشق الذي يربطني بمحبوبتي الأزلية.
( حجي .. رحم الله والديك ماعون باجلة بالدهن ، فد كرصتين خبز وبيضتين بالدهن الحر .. مو زيت الحصة !! ولاتنسى النارنج والبصل والبطنج ) .
( تدلل أغاني) .
كان الحاج محمد يوزع الابتسامة على الجميع وكأنه يمارس العدالة التي نسمع بها ولم نلمسها الا عنده !!
صوت ( الفركاعة ) هيج مشاعري وافقدني صوابي وصبري ، لم أعد أحتمل الدقائق التي أحسبها سويعات .
( حجي .. وين صرت ؟ مو تأخرت على الدوام ) .
( أنت تأمر ، وهذي الصينية وصلت .. تفضل أغاني) .
فاح العطر من كل إتجاه ، وكأن أهل بغداد قد شموا رائحتها كرخًا ورصافة .
المنظر يوحي بكرنفال أو سمفونية أو لوحة فنية صاغها فنان كبير ومحترف ، قطع الخبز رغم عدم انتظامها ألا إنك تحسبها قطع عسكرية متجحفلة تنتظر الأمر بالهجوم !!
حبات الباقلاء وان كانت مجففة ألا أنها تبدو وليدة اليوم و( تازة ) ، ولا أقول لكم كيف يبدو ( قرص البيض ) فأنه حكاية تحتاج الى شاعر لوصفه ، فهو كقمر ليلة تمامه وقد وضع على الصحن .
( بسم الله .. تفضل حجي وياي ) .
( ألف عافية وليدي .. هني ومري ) .
بدأت اللقيمات تنساب أمامي محاولة التنافس فيما بينها للفوز بأصابع يدي !! والحيرة تأخذني بمن أبدأ .. فالرائحة والطعم شتتا فكري وتركيزي .
( حجي .. شويه نارنج ، شو اليوم بخلان علينه ها.ها.ها ) .
( ها.ها.ها .. اليوم هوايه عصرت ، هاي النارنجة الرابعة !! ) .
لم يتبقى من الصحن شيءٍ ، وكأني صمت ثلاث ليال سويًا !!
( الحمدلله .. حجي عاشت أيدك ، اليوم الأكل كلش طيب ) .
( ألف عافية عيوني ، وهذا الجاي المهيل .. تره احسابك واصل من محمود ابن حسن حميدي ) .
حاولت ان أعتذر وأدفع مبلغ الحساب الى الحاج محمد ، لكن الأصول التي تعلمناها منعتني من ذلك ، فهذه أخلاق أهلنا وطيبة قلوبهم ، ولن تتغير أبدًا .
التعليقات مغلقة.