” براءة “محمود حمدون
” براءة “محمود حمدون
نار تلفح وجهي عندما أغضب , رغبة عارمة بتدمير العالم , إن هدأت أصبح طفلاً , يحمل براءة الدنيا بين جفنيه , فهل مثلي معتلُّ ؟
اقتحم علينا هذا الصديق خلوتنا , تموج قسمات وجهه بنذير يأس , تشي بألم خفيّ يعصف به , قمت إليه , أجلسته بجواري ..
= الأمر بسيط , لا يحتمل كل هذا الحزن , جميعنا يمر بتلك الحالة , فلست وحدك ..
= مثلي متفرّد بحاله.
وضع ” النادل ” صينية نحاسية تحمل ” كنكة ” تفوح منها رائحة زكية , صب ” فنجان ” للضيف .
= تفضّل , من يزورنا دون موعد نقدّم إليه ” قهوة ” مضبوطة , فالناس تكره مرارة البن …
احتسى فنجانه بسرعة غريبة , فالقهوة لا تشرب على جرعات متقاربة , فلها طقس في شُربها ينبغي مراعاته لذا , ريبة سيطرت عليّ , فتجرّع القهوة ساخنة هذا نذير فأل سيء , لا شك وراءه أمر جلل .!
= أتى على قهوته , ثم وضع أصبعه الأيمن الكبير في قاع ” الفنجان ” لفّه دورة كاملة , أخرج ما تبقى من بن مستقر بأعماقه , ثم وضعه بفمه , متلذّذاً , بعين نصف مغمضة , بدت على وجهه نشوة غريبة ليس مكانها المقهى. أفاق من سكرته قائلاً : عُذرا للجميع , فالدنيا أدبرت عنيّ بعد سنوات عديدة من رغد العيش , رأيتكم فآنست لكم .. ثم انحدرت دمعة من عينيه , مسحها بكمه الأيسر .
= ربت زميل على كتفيه : اهدأ , فنحن على قارعة طريق يضج بالمارة , عيب أن يبكي الرجال هكذا على الملأ … اشتد بكاء الضيف , علا نحيبه , فسرت موجة كبيرة من قلق بيننا , تكدّرت أرواحنا تضامنًا معه.
قمنا جميعاً لمواساته , تلقّفته أحضاننا للتهوين من مصابه : لا عليك لا أحد خال من علّة تأخذ بخناقه , ثم شيّعناه بعيون مرهقة …
= الحساب يا حضرات .. عبارة مميزة ينهي بها ” النادل ” ليلتنا , أظلّتنا موجة من صمت بعد أن أدركنا سرقة جميع مالنا .
التعليقات مغلقة.