برنامج “قصة حياة” للأديب حسين الجندي : الراحة
قصص قصيرة بسن القلم : الراحة
ارتج الكون من حوله مخلفا فوضى عارمة، غبار كثيف لا يكاد يرى كفيه من خلاله،أنفاسه بالكاد يلتقطها،قلبه يكاد يتوقف، أخذ يضرب عليه بكلتا يديه يستحثه و يرجوه أن يواصل دقاته،تعجب لحاله؛فهاهو يتشبث بالحياة ويدفع عنه شبح الموت بكل قوته، برغم أنه منذ أيام قلائل كان يتمنى الموت بل ويراه ملاذه الوحيد..
من بعيد رآه واقفا وعلى وجهه العذب ابتسامة أعذب،توهَّمه مادا إليه يديه، مستحثا له، نهض من عثرته ونسِيَ كل ما حوله أو تناساه وصب جام تركيزه على ذلك المنقذ الملهم، عافر للوصول إليه تذل قدمه تارة فيعاود الكرَّة تارة أخرى..
تيقن أنه أمله الأخير استجمع قواه ونشب أظفاره في كل جسم صلب حوله، شعر بتيار هواء شديد يصده ويقذف به بعيدا بعيدا نحو التيه..
قاوم وقاوم وعيناه لم تنصرف لحظة عن مرأى ملهمه..
حلم الوصول إليه جعله يتشبث بكل أمل ولو كان وهما..
ومع كل محاولة يُوَلِّي نظره حوله فيجد السكون والوجوم يخيمان على نظرائه لم يكن يملك وقتها رفاهية الاستفسار،فقط، نظراته المتسائلة جعلتهم يجيبونه بحركه واحدة بائسة:
نكسوا رؤوسهم..
حوَّل نظره إلى بعضهم، تبدو على ملامحهم مزيج من الرضا العجيب المصحوب بالتبلد..
لم يجد في الجميع رغبة حقيقية في النجاة..
هل أصابهم القنوط أم استنفذوا قبله محاولات النجاة فاستسلموا في الأخير لمصيرهم المحتوم؟!
لم تهمه الإجابة؛فقط،يريد النجاة ولاشيء غيرها..
غشى ناظريه سحابة غبار عابرة حجبت عنه ملهمه؛شرع في الاستسلام، ارتخت يده اليسرى، وسرعان ما فلتت،تركز جل ثقل جسده على يده اليمنى،لم تعد تحتمل، فلتت بدورها؛ بدأ يهوي،يهوي، يهوي…
العجيب أنه أخذ يبتسم لأول مرة منذ زمن وهز رأسه في سخرية وكأنه ولأول مرة يدرك أن الحبائل التي تَمَسَّكَ بها كانت واهية واهنة..
قبل لحظة الارتطام المحتومة وبينما يتمتم بالشهادة وعلى وجهه رضا الخلاص سمع هاتفا داخله:
لقد نلت الراحة.
التعليقات مغلقة.