برنامج قصة حياة للأديب حسين الجندي : هو و الحلاق
قصة هو و الحلاق للأديب حسين الجندي :
قصة قصيرة :
( هو والحلَّاق )
منذ أكثر من شهر…
لم يعرف للحلاق وجها من ظَهْر …
تنهد بارتياح فأخيرا ستتذوَّق رأسه طعم النظافة!
وتعرف هيئته معنى القيافة…
جلس ينتظر دوره في الحلاقة…
رأس وراء أخرى…
لا ضير…
فالعمل يسير بانتظام…
والحلاق هُمَام…
وكله تمام التمام…
بَقِيَتْ رأسٌ واحدة قَبْلَه…
وبعدها سيركب الكرسي ويهز عليه رِجْلَه…
طال عليه الانتظار…
وهو جالس على نار!
أَكُلُّ هذا الوقت في حلاقة رأس؟!
فوالله لقد أوشك أن يصيبه اليأس!
تثاءب وهو يمط جسمه تارة وتارة أخرى يتضاءل…
وقد لبسه اليأس وأَبَى أن يجعله يتفاءل…
بدأ النوم يداعبه…
النوم بالفعل يغالبه…
وقعت رأسه على صدره وغَطَّ في نوم عميق…
حتى علا صوت شخيره وكأنه آتٍ من مكان سحيق!
شعر بيد باردة برودة الثلج وهي تمسح على قفاه!
برغم ضيقه إلا أنه أفاق فقد وصل إلى مبتغاه…
إنها يد الحلاق الهمام تعلن له عن فراغ الكرسي من ذاك الزبون…
وأن الدور جاء عليه ليحلق الرأس وينتف الحواجب وما حول العيون …
نظر إلى الكرسي فاتسعت عيناه…
واشْمَأَزَّتْ نَفْسُه وارتعشت شفتاه…
أدرك حينها أنه يستحيل أن يمارس هنا الحلاقة…
وأنه إن فعلها فقد أصابته بحقٍ الحماقة!
فقد وجد على الكرسي آثار غبارٍ ووسخ…
والفوطة على ما يبدو قد امتلأت بالجلخ!
…
ناهيك عن حبات العَرَق…
والتي ملأت المكان كالمَرَق!
أدار ظهره وأراد الهَرَب…
فهو حتما يخشى على نفسه من الجَرَب!
أحسَّ الحلاق بما يخفيه في الطَّويَّة وعلم ما يُبَيِّتُه في النية…
فأمسكه برفقٍ من كتفيه…
ووجَّهَه إلى الكرسي بكلتا يديه…
واستسلم صاحبنا للعلقم وما هو منه أَمَر …
وقد أيقن أن ليس منه فكاك ولا مَفَر!!!
وكلما تذَكَّر ما رأى وَشَم…
لعن الحلاقة في صالون العَشَم!
سريعا سريعا أَمْرُ رأسه انتهى…
وقد بلغ من التَّقَزُّز والقرف المُنْتَهَى!
وسريعا سريعا حشر في جيب حلاقه النقود…
وقد أقسم أنه هنا مرة أخرى لن يعود!
ولكن!
سؤال ظل في عقله عالقا:
- لماذا مكثتَ كل هذا الوقت لذاك الزبون حالقا؟!
لم يُجِبْ الحلاق ولم يُحَرِّك قط شفتيه…
بل أراه كم دفع له هذا الزبون من جُنَيْه!!!
ولم يكتف بذاك!
بل…
نظر إليه بعينٍ لئيمة…
وأخرج له ما دفعه هو من عشرة جنيهات يتيمة!
التعليقات مغلقة.