بستان العربية..الفرق بين فعلي” اعتبر” و “عد”… د.وجيهة السطل
الفرق بين فعلي” اعتبر” و” عد“
د.وجيهة السطل
طاب يومكم
الفرق بين فعلي (اعتبر) و(عدَّ).
تصحيح لخطأ شائع ،وحديث عن التطورالدلالي لمعنى (اعتبر).
يأتي الفعل “اعتبر” في سياق الكتابات المعاصرة متعديًا لمفعولين.
نحو:أعتبرْ فلانًا عالمًا أي أعدَّه عالمًا.وأعامله معاملة العالم . وهذا غير صحيح .
والمقابل اللغوي الصحيح له هو فعل “عدَّ” الذي هو من أخوات ظن التي تنصب مفعولين كما ذكر ابن مالك في الألفية:
انصب بفعل القلب جزأي ابتدا …
أعني رأى خال علمت وَجَدا
ظن حسبت وزعمت مع (عد)
حجا،درى،وجعل اللذ كاعتقَد
● إذًا فالإشكال في فعل(اعتبر) إشكال من جهة المبنى أولًا؛ لأن العلماء لم يذكروا هذا الفعل مع أفعال القلوب التي تتعدى إلى مفعولين مثل (عدّ).
فلا يصح قولنا:
اعتبرت عملَه خالصًا لوجه الله .
فهذا استخدام مولَّد غير صحيح في هذا المقام.
● أما الإشكال الثاني فهو في المعنى. جاء في المعجم الوسيط:
( اعتبر ) الشيء: اختبره وامتحنه.
واعتبرمنه: تعجب.
واعتبر به: اتعظ.
وفي المعاجم:(اعتدّ)
هذا شيء لا يعتدّ به:أي لا يهتمّ به.
ونقلوه في المولَّد المعاصر إلى نظيره الذي اختاروه فقالوا: اعتبر فلانًا: اعتدَّ به، واهتم لآرائه.(أي جعل له مكانة خاصة علمية أو اجتماعية).
وقالوا:شخص مُعتَبَر، وأمر معتبر… مُعتَبَراسم مفعول مِن اِعْتَبَرَ.
عَمَلٌ مُعْتَبَرٌ : لَهُ قِيمَةٌ وَاعْتِبَار وأهمية.
ومنه الصفة الاعتبارية التي تمثل تخصص المرء ومهنته وتكون بلفظ المشتق ، وتعامل معاملة الجامد. ويعرب معرَّفًا (بأل) بعد اسم الإشارة ، وبعد أيها وأيتها بدلًا لانعتًا .
هذا المعلم أبي .
أيتها المعلمة استمعي.
ولعل تطوير دلالة اعتبر في الاستعمال المعاصر،قولهم (اعتبر) بمعنى حسب أو افترض، هو الوحيد الذي يتلاقى مع عدَّ في التعدية لمفعولين ،وفي معنى الرجحان. كأن يقول أحدهم ناصحًا:اعتبرني مثل أبيك…. اعتبرني فعلتها، فماذا تقول؟ اعتبرني صديقًا يساعدك .
أما اعتد فهو وزن افتعل من عدَّ.
وهذا الفعل له معنيان:
ففي معجم القواعد العربية للشيخ عبد الغني الدقر:
- (عَدَّ:
فِعْلٌ مَاضٍ يَتَعدَّى إلى مَفْعولَين، مِنْ أفْعَالِ القُلوبِ، وتُفيدُ في الخَبر رُجْحانًا، وهي تَامَّةُ التَّصرُّفِ، وتُسْتَعملُ بكلِّ تَصْريفها، نحو قول النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ:
فلا تَعدُدِ المَولَى شَرِيكَكَ في الغِنى **
ولكنَّما المَوْلَى شَرِيكُكَ في العُدْمِ.
أما المعنى الآخر لها، فهو:”عَدَّ” بمعنى حَسَبَ وأَحْصى نحو: قوله تعالى {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} سورة إبراهيم/ ٣٤
ونحو قولك:”عدَدْت المالَ” أي أحصيته.
وهذا المعنى يتَعدَّى إلى مفعول واحِد.
وقد ورد هذا أيضًا في جامع الدروس العربية للشيخ الغلاييني.
إذًا فالفعل من أفعال الرجحان، وليس من أفعال اليقين.
والإشكال والخطأ في الاستعمال المعاصر، أن الناس والكتاب، يستخدمون “يُعتبر” ويعدُّ في الأمور المقطوع بصحتها. فقولهم : (تعتبر أو تعدُّ الإجادة مهمة عند إنجاز عمل ما)
يفيد في معناه اللغوي والمعجمي والنحوي، التشكيك في أهمية الجودة، وأن المتكلم يفترض رأيًا ويطرحه .
بينما المقصود عند المتكلم أن الإجادة مقطوع بأهميتها. ومع ذلك يقول “تُعدّ” و “تُعتبر”. وكان المفروض أن يأتي المعنى في جملة اسمية:
الإجادة مهمة عند إنجاز عمل ما.
وقد وقع هذا الخلل، بسبب من أخطاء الترجمة ، فالمترجمون ينقلون إلى اللغة العربية، دون فلسفتها وروحها . لأن “اعتبر” ترجمة لفعل “considérer” الفرنسي و “to consider” الإنجليزي، و أصل الكلمة باللاتينية تعني النظر إلى الكواكب.وحملت المعنى نفسه في الانجليزية والفرنسية
ويكمن الخطأ والمشكلة في أن (اعتبر) في اللغات الأجنبية، تستعمل عند إقرار الحقائق المؤكدة، والأمور التي نصل إليها بعد التمحيص وإمعان النظر.
بينما تعني في اللغة العربية ،ما هو غير مؤكد تمامًا، ويلزم أن تستخدم للأمر المشكوك فيه.
وحتى لو جعلناه في الأمور المشكوك فيها، فلا يصح استعمال (اعتبر)، بمعنى (عد).
لأن اعتبر لاتحمل المعنى نفسه كما ذكرت المعاجم .
إذًا: قل : الأم هي مدرسة الطفل الأولى .
ولا تقل: تعد الأم مدرسة الطفل الأولى.(ولا تعتبر الأم ).لأن كليهما خطأ.
وقل :
- تعد المهارات الاجتماعية، معيار التربية الصحيحة .
- تعد القراءة من أهم وسائل تقوية النشء في اللغة العربية .
لأن كلا الرأيين قابل للنقاش .
أسعدكم الله جميعًا.
ولكم تحياتي
التعليقات مغلقة.