بستان العربية “كلمات تحت المجهر” … د.وجيهة السطل
بستان العربية “كلمات تحت المجهر” … د.وجيهة السطل
من أساليب البحث :
الاستقراء
فما فعله وما جذره اللغوي ، وما معناه، وما نوع الهمزة؟
ظمؤنا للمعرفة لايرتوي.قد يتبادر إلى الأذهان،أن الاستقراء من فعل قرأ،ولكنه .
ليس بذاك. ولكم أن تسألوا لماذا ؟
وفي سبيل الإجابة سنقوم بجولة في الجذر قرأ.
قرَأَ يَقرَأ ، قِراءةً وقُرْآنًا ، فهو قارئ ، والمفعول مَقْروء.
قرَأ الكتابَ ونحوَه : تتبَّع كلماته نظرًا ، نطق بها أو لم ينطق .
قرأَ الشيء: جمعه وضم بعضه إلى بعضه الآخر..
.والمصدر قَرءًا وقِراءة وقرآنُا .وفسروا بهذا تسمية القرآن، على رأي بعض اللغويين. حيث التتابع وجمع الآيات معًا.
أما مايدور في فلك القراءة المعروفة ،فتقول: أقرأني فلان، أي: حملني على أن أقرأ عليه ليجيزني ، فغدوت تلميذُا له.
ومن المعروف أن من معاني حروف الزيادة (ا،س،ت) الطلب . فاستقرأ يدل على طلب القراءة، مثل استعلم: طلب المعلومة .فإذا قلت: استقرأت الطالبَ القصيدة، أي: طلبت منه قراءتها .فلك أن تؤكد بالمصدر: استقراءً.
لأن التأكيد هنا على طلب القراءة، لا على دقتها.
أما إذا قرأت الكتاب أو الموضوع بغرض الوقوف على معانيه ، وأفكاره والقضايا التي يطرحها ، فلا يصح أن تقول استقرأت الكتاب، لأنه يعني أنك طلبت من الكتاب أن يَقرأ. أو أن يجيد القراءة .
إذًا ما الجذر اللغوي الذي صدر عنه مصدر استقراء؟وما فعله إذا أردته مفعولًا مطلقًا ؟ وأنت تريد أنك قرأت الكتاب قراءة تدقيق واستقصاء وتتبع .
تنقلنا (استقراء) إلى جذر لغوي آخر وهو من الفعل استقرى ، ومعناه تتبع ، وجذرها اللغوي : قرا يقرو قروًا . أو قرى يقري قريًا ، وتقرَّى تتبع بطريقة ما . . ومن ذلك قول البحتري في وصف لوحة المعركة في إيوان كسرى :
يغتلي فيهم ارتيابيَ حتى
تتقرّاهمُ يداي بلمسِ
( قَرا )فلَانًا يقروه قروًا: قَصده وتتبعه وَنظر أَعماله. وَقرا الْأَمرَ تتبَّعه يُقَال:قَرا الْبِلَاد :تتبعها أَرضًا أَرضًا، وَسَار فِيهَا ينظر حَالهَا وأمرها.
وقرا الأَرْضَ تتبع أهلها نَاسًا بعد نَاس فِيهَا.
وقرا بني فلَان :مرَّ بهم وَاحِدًا وَاحِدًا فَهُوَ قارٍ وَهِي قارية (والجمع ) قوارٍ.
.وفي الحديث الشريف: فجعل يستقري الرفاقَ، أي: يتتبع الناس الصالحين.
وروى الخليل بن أحمد عن العرب: ما زلت أستقري هذه الأرض قرية قرية. فالعرب قد قالوا في معرض هذا المعنى : أستقري لا أستقرئ.
وهذا -لَعمري – ما يفعله الباحث أو المعلِّم حين يتحرّى نصًّا أو موضوعًا بالدراسة والتحليل ، ليخلص منه إلى النتائج.
وهو أيضًا (قرى يقري قريًا ). تقول: استقريت الكتاب استقراء، فإن الاهتمام والتأكيد منصرفان إلى دقة القراءة، وانقلبت الياء أو الواو همزة لأنها تطرفت بعد مدّ.
وعلى هذا فالصواب أن تقول:
لقد استقرى الباحث مصادره، واستقرى الناقد النص المطروح استقراءً جيدًا.
وهذا الاستقراء هو الأسلوب العلمي المنهجي المبني على المقارنة والموازنة.وهو الطريق المثلى إلى العلم والمعرفة.
تحياتي
التعليقات مغلقة.