بشرى اللين …
بقلم حاتم الغيطانى
مصر. عدت من العمل قبيل العصر… اقتربت من المنزل فوجدت ازدحاما أمام بيت جاري عمي/ محمد..ضربات قلبي ازدادت… سألت عن سبب الازدحام متلعثما… علمت أن جاري/ عمي محمد الرجل المسن الفقيز قد قضى نحبه… سعى الجيران في كل صوب وحدب نشيطين يجهزون هذا المسكين… شاركتهم وأحضرت له ثوب زفافه الأبيض الذي ثمنه بعض جنيهات … ودخلت حجرته فوجدته نائما على منضدة
ُيُغَطَّى بقطعة من القماش لستر عورته… و قد نال حظه الأخير من ماء الدنيا الذي خر عليه خريرا متتابعا… ثم لُفَّ بثوبه الذي خرج به من حطام الدنيا لفا محكما، يلبسه الأغنياء كما يلبسه الفقراء
وبينما نقف للمساعدة رأينا وجه الرجل قبيل تغطيته – وكان أسمر البشرة – وقد استدار ببياض مشرق عَلَتْهُ ابتسامة الراضي أو المَرْضِيُّ… حُمل الجسد للمسجد الذي اعتاد أن يصلي فيه عمي/ محمد.. ثم إلى مثواه الأخير…
عدت إلى بيتي وقد شغلني بياض واستدارة وجه عمي/ محمد
، وابتسامته التي تدلى منها خديّه… ثم أرجعت شريط الذكريات منذ سنوات… فتأملته وهو يصبر على حرمانه من الإنجاب ، ثم صبره وهو يخدم أمه، و زوجته المريضتين حتى ماتت الزوجة ثم الأم التي أحسن إليها ، ثم تذكرت بشاشته، ولين قلبه مع الجميع رغم شدائده المتتابعة، وتودده بزيارات الأهل و الجيران المرضى ذوي الأحزان … وقد تذكرت شيئا حركني سريعا… الرجل كان يسكن معه قط منذ سنوات طويلة… يتعهده بالطعام والشراب شفيقا به…ثم انطلقت إلى غرفته لأطعم قطه وأسقيه فقد أمسى بلا رفيق…
وقد مات قطه بعد أيام من موت صاحبه… أحسبه قد حزن عليه… ثم وجدت عنده صندوق من حبوب الذرة، وغيرها من الحبوب كان يعتاد أن يلقيه لليمام، والعصافير على سطح بيته الصغير… فعهدت نفسي برعايتها كما كان يفعل مقتديا به قربة لله… وبعد شهر كانت المفاجأة عندما تردد على البيت بعض الأشخاص الغرباء يسألون عليه وعندما يعلمون بموته يظهر على وجوههم الغيوم الوجوم… ظننت أنه مدين لهم بمال، فوددت تسديده عنه – إن استطعت – فإذا بالدين ثقيل لا أحتمله… فهي شهريات اعتاد الرجل أن يدفعها للأيتام من معاشه البسيط الذي قسمه بينه، وبين الأيتام، والقط، والعصافير، واليمام
بقلم / حاتم الغيطاني.
من حكايات مصر المحروسة.
التعليقات مغلقة.