بشريّة ابن مريم البتول ، وابن عبد الله من دفتيّ سورة الكهف
بقلم : أشرف خاطر
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن اهتدى بهداه ،
إحتضنت سورة الكهف بين دفتيها عبودية وبشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .وعيسى بن مريم _ عليه السلام_.
قال تعالى : ( الحمدلله الذي أنزل على عبده الكتاب ولَم يجعل له عوجا ) الكهف ١
قال تعالى : ( قل إنما أنا بشرٌ مثلكم يُوحَى إليّ أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يُشرك بعبادة ربه أحدا ) الكهف ١١٠
قال تعالى : (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ) الكهف ٤ ( مالهم به من علمٍ ولا لآبائهم كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) الكهف ٥
قال تعالى في عيسى عليه السلام : ( قال إنيّ عبد الله آتَانِي الكتاب وجعلني نبياً ) مريم ٣٠ ( وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّا ) مريم ٣١
الله تبارك وتعالى استهل السورة بحمده وذكر نبوة رسوله سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم حيث أنكر عليه قومه ( قريش ) ذلك ، واستشاروا أحبار يهود ، بأن يسألوه ثلاثة أسئلة إن أجاب عليها فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، وسُئل الرسولُ الأسئلة الثلاثة : سألوه عليه الصلاة والسلام عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ، ما كان امرهم ؟ وعن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الارض ومغاربها ، ما كان نبأهُ ؟ وسألوه عن الروح ، فقال لهم عليه الصلاة والسلام : أخبركم بماسألتم عنه غداً ، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر يوماً لا يأتيه الوحي ، وشق عليه وحزن حزناً شديداً صلوات ربي وسلامه عليه ، فأتاه جِبْرِيل عليه السلام ، فقال له : لقد احتبست عني ياجبريل حتى سؤت ظناً فقال له جِبْرِيل : وما نتنزل إلا بأمر ربك له مابين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسياً .
بينما في شأن عيسى بن مريم عليه السلام ، قوله : ( إنيّ عبد الله ) هو أول شيء تكلم بِه أن نزّه جناب ربه تعالى وبرأ الله عن الولد وشهد هو بعبوديته لربه ، وقوله : ( آتَانِي الكتاب وجعلني نبياً ) : تبرأة لامه البتول مريم ابنة عمران عليها السلام ، مما نُسب إليها من فاحشة .
كما أننا نلاحظ الفرق واضحاً وجلياً بين إنزال الكتاب على سيدنا محمد _ عليه الصلاة والسلام _ وبين إتيان الكتاب لعيسى بن مريم عليه السلام ،
فالإنزال يتطلب القوة والاستعداد التام من المتلقي لإستقبال الشيء العظيم القوي ،
قال تعالى: ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) ٢١
وقال تعالى : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ) الحديد ٢٥
ثبت علمياً أن الحديد الموجود بالأرض نزل نزولاً من السماء ،
ثبت علمياً أن القوى الموجودة في عنصر الحديد هي قوة شديدة جداً تجمع بين المتانه والمرونه والصلابة ، وهي ما سماه القرآن الكريم بالبأس الشديد .
وتدل الدراسات العلمية أن الحديد لا يمكن أن يتشكل الا في قلب النجوم الكبيرة ذات الحرارة العالية جداً ، فتشكل الحديد يحتاج لنجم يزيد عن كتلة الشمس بأكثر من ٢٦ ضعفاً ، أي أن الحديد نزل من خارج المجموعة الشمسية ووصل الى الارض من خلال بلايين النيازك ، سبحان الله .
أما قوله : ( آتَانِي الكتاب ) أي : قُضيّ أنه يؤتيني الكتاب وهو الإنجيل فيما قضى ، وقد عُبّر بلفظ الماضي ( آتَانِي) مثل ( أتى امر الله فلا تستعجلوه ) ومثل : ( وسيق الذين اتقوا ربهم ) المذكورة بالآيات بمعنى المستقبل .
وقوله تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) على ان العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الانسان مادام عقله ثابتاً فيصلي حسب حالته ، قال عليه الصلاة والسلام : صَل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع على جنب ) .
وتتجلى بشرية سيدنا محمد وعبوديته لله في حديث السيدة عائشة رضي الله عنهاوأرضاها قالت :أن النبي كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ، فقلت له : لِمَ تصنع هذا يارسول الله ؟ وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أحب أن أكون عبداً شكورا ؟ متفق عليه ،
وأنه صلى الله عليه وسلم ، لما رأى وحشي بن حرب قاتل عمه سيدنا حمزة سيد الشهداء قال : أنت وحشي ؟ ، فأجابه بنعم وسأله : أنت قتلت حمزة ؟ قال : كان من الامر ما بلغك ، فقال عليه الصلاة والسلام : فهل تستطيع أن تغيّب وجهك عني ؟
فهذا يتفق وسلوكيات البشر بأنهم لا ينسون من آذاهم او آذوا أحبابهم ، بالرغم من انهم تابوا وان كانوا من الصحابة الكرام ، فالصحابي وحشيّ بن حرب ، تاب وجاهد في سبيل الله وقتل مسيلمة الكذاب ، وأبلى بلاءاً حسنا .
دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
التعليقات مغلقة.