بلا أجنحة بقلم الأستاذ : مهاب حسين
احتشد الخلق في الشرفات يشاهدونه في ذهول ودهشة..
بمجرد أن هبط للأرض، التفوا حوله في زهو وفرح.. وأمطروه بالأسئلة، ماذا يفعلون كي يطيرون مثله؟..
اكفهر وجه الشيخ:
- إنها فتنة..
بسمل وحوقل، وصب عليه اللعنات ثم انصرف.
سرعان ماتوقفت عربة مصفحة أمام منزله، اقتادوه وانطلقوا كلمح البصر.
لما استفسر عن جريرته، أجابوه: - زعزعة الأمن، وإحداث بلبلة.
تجمع البسطاء في الشوارع والحوانيت والحانات، والمتنزهات.. يتنسمون أخباره، وبات اسمه تلوكه الألسن، وصورته معلقة في كل بيت..
احتدم الأمل في النفوس.. وهم يتطلعون للأفق بنشوة مُسكرة كالخمر.
نحوا جانباً سعير غضبهم، تخلوا عن شكواهم من شظف العيش، وبات حلم الطيران شغلهم الشاغل.. راق ذلك لأولى الأمر في البداية.
لكن سرعان ماانتبهوا لخطورته..
فالناس لم تعد تخاف!!.
أصابهم الفزع.. ضيقوا الخناق عليه، تفننوا في تعذيبه حتى يقر!.
بدأ الشباب يتلاقون بأسطح البنايات الشاهقة.. يجرون المناقشات ويتبادلون المشورى.. حتى توطدت الأواصر، واتقدت الهمم. جن جنونهم.. فقدوا البوصلة التي كانوا يراقبون بها القطيع، ويتوقعون أفعاله، بل ويتحسبون لنواياه..
تم رفع درجة التأهب..
مركبات النظام تناثرت في كل البقاع. البصاصون اندسوا وسط الدهماء.
قنوات التلفاز حذرت من مغبة اندفاع الشعب نحو دجل التحليق. فقد ولى زمن المعجزات!.
حددوا موعداً لمحاكمة علنية للمارق، الذي إدعى القدرة على التشبه بالطير.
عند باب زويلة.. تجمع جمهور العوام، حضر المتهم مكبلاً بالأغلال، استوى فوق منصة عالية، شرع كبير الحرس في تلاوة عريضة الإتهام، أعقبها بالحكم: الموت شنقاً على رؤوس الأشهاد.
فكوا أصفاده، بحلقت الأبصار نحوه، تمعن فيهم، أصدر صفيراً مميزاً، اشرأبت الأعناق، طوقته رؤى خفية.. رفرف بكلتا يديه، سرت القشعريرة في الأبدان، قلدوه.. تزحزحوا عن أماكنهم، أفسحوا مجالاً.. بدأوا ببطء يرتفعون..
ارتعب الحراس، فروا مذعورين، مخلفين وراءهم عتادهم ومركباتهم..
ثم.. ثم شرع الجميع في التحليق!.
التعليقات مغلقة.