بوكاموسو .. قصة قصيرة بقلم/ سيد جعيتم
لا تستغربوا من اسمي بوكاموسو، أنتمي لقبيلة أفريقية تعبد أرواح الأسلاف .
ولدت وسط الغابات وجمال الطبيعة، أرسلني أبي للمدينة لأتعلم.
في المدينة ينشط المبشرون الأوروبيون، مِلت لمعتقدهم، وشككت في مقدرة الأرواح في خلق العالم، اقتنعت بوجود قوة أكبر، لكنني تمسكت بديني.
أتيت لمصر لاستكمال دراستي الجامعية بمنحة من حكومتها .
في خانة الديانة بكارنيه الكلية التي أدرس بها دُون ( مسيحية) سألت:
ـ لماذا دونتم في بطاقتي أن ديانتي مسيحية؟
ـ استدلينا باسمك! فهو ليس من الأسماء الإسلامية.
استغربت من الربط بين الأسماء والديانات.
رافقت زميلاتي في السكن عند ذهابهم إلى الكنيسة في اليوم المحدد للوافدين من بلدنا.
يستقبلنا الكاهن بوجه طيب بشوش ممتلئ بالإيمان، يحدثنا بلغة بلدنا، لم يغير علمه بديانتي من ترحيبه بي.
ما زلت متمسكة بديانتي.
فاطيما وافدة جديدة، طيبة، لا تفارقها البسمة… تصادقنا.
أتعبد باسترضاء أرواح الأسلاف واستجدي حمايتهم ومعونتهم، وفاطيما تؤدي طقوسها بالصلاة وقراءة كتابها.
تحادثنا :
ـ فاطيما، تتملكني الحيرة أأظل على دين قومي؟ أو أؤمن بإحدى الديانات السماوية؟ .
ـ ابحثي واقرئي لتختاري عن اقتناع.
ـ أود زيارة مسجد لأتعرف على ديانتك عن قرب.
ظهرت علامات الحيرة على وجه فاطيما، فلا توجد استعدادات بالمساجد المنتشرة بكل مكان لاستقبال بوكاموسو.
حدثتني فاطيما بعفوية عن دينها:
ـ السماحة عنوان ديننا، لا نعبد إلا خالق الكون وحده، يفتخر نبينا أنه عبد لله، نؤمن بكل الأديان السماوية وبكتبها التي أُنزلت على أنبيائها، لا نفرق بين الأنبياء.
اعطتني كتبًا عن الإسلام مترجمة بلغتنا سلمتها لها الكلية التي تدرس بها.
محرجة سألتها:
ـ فاطيما، لماذا التصق الإرهاب بدينكم؟
قالت:
ـ أعداء الإسلام يعلمون أن ديننا ينهى عن الإرهاب، ومع ذلك يتعمدون إلصاق التهمة بديننا، يكفي وصية رسولنا، للجيش قبل التوجه للقتال ـ( لا تهدموا صومعة راهب يتعبد، ولا تقتلوا امرأة أو طفلا، ولا تؤذوا حيوانا أو تقطعوا شجرة، عمروا الأراضي حتى إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم بذرة فليغرسها في الأرض لتنبت..
سكتت فاطيما ثم أكملت حديثها ودموعها تترقرق بعينيها.
يعتبرون دفاعهم عن بلادهم جهادًا، ودفاعنا عن أوطاننا إرهابًا.
عادت فاطيما للصمت ثم سألتني:
ـ تعرفين زي الراهبات؟
ـ نعم أعرفه.
ـ هل يختلف عما ارتديه؟
ـ لا يا فاطيما مطابق له.
ـ ومع ذلك يحرمون علينا في بلادهم ارتداء هذا الزي! القاهرة تتجمل وتزدان، أوضحت لي فاطيما أن القاهرة تستعد لاستقبال شهر رمضان، استوقفني حديثها عن ليلة القدر و عن معتقدات الناس بتحقق المعجزات في هذه الليلة المباركة.
صدمني خبر وفاة أمي، فقدت النطق ولازمت الفراش.
ظلت فاطيما بجواري.
زارني كاهن الكنيسة وبرفقته طبيب، دعا لي بصدق، أعطاني حليه بها صورة السيدة العذراء، علقتها لي فاطيما في رقبتي.
قالت فاطيما:
ـ أشعر بأن الليلة ليلة القدر، سأدعو الله لك يا بوكاموسو.
توضأت وراحت بين ركعات صلاتها تدعو ربها بصوت خافت وتبكي، حتى أبكاني بكاؤها.
هل أحلم أو أتوهم النور الذي ملأني وغشا الحجرة، تملكني إحساس لا يمكن وصفه بالأمان والجمال، رائحة طيبة تملأ صدري وأنفي، أشعر بالأمان .
فاطيما تدعو وتكرر:
ـ يا رب.
ـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم بيقين سمعت صوت يلقي علينا السلام.
فاطيما تبكي وترد السلام:
ـ عليكم الصلاة والسلام يا رسول الله.
أنا في حالة نورانية، جاهدت لتحريك لساني لأرد السلام
في الأزهر الشريف رفضت اختيار اسم لي غير بوكاموسو، فاسمي لا يفسد ديانتي.
التعليقات مغلقة.