“بين ارتجــاف الأنا ….وتجاوب الإبداع ” دراسة نقدية تحليلية لقصيدة” هذي أنا ” للشاعرة المغربية نبيلة حماني … نقد وتحليل أسامة نور
“بين ارتجــاف الأنا ….وتجاوب الإبداع ” دراسة نقدية تحليلية لقصيدة” هذي أنا ” للشاعرة المغربية نبيلة حماني … نقد وتحليل أسامة نور
النص/ هذي أنا… نبيلة حماني
.هذي أنا في بحرِ تيهٍ أرتمي
والموجُ يهدرُ غاضبًا يغزو دمي
زمني ظلامٌ ما عرفتُ سطوعَهُ
بؤسًا أتى يخفي الضّياءَ بأنجمي
فأراودُ الأفراحَ فيه وأنحني
لعواصفِ الأوجاعِ تمحو مرسمي
وتدوسُني الأحزانُ لا تحنو على
قلبي وقد أمسى بنار جهنّمِ
تبكي المدائنُ : طيرُها ونخيلُها
وجميعُ من عرفَ الحياةَ بمأتمي
قد كان ليلي عتْمةً ضمَّ الأسى
بين الضّلوع وفي فؤادي يرتمي
ها قد رآنيْ الصّبحُ في روضاتِه
فبكى كما أبكي لضيعةِ مغنمي
فشراعُ عمري قد غزتْه نوائبٌ
ومواجعي سيلٌ يحطِّمُ موسمي
هذي أنا في جُبِّ نارٍ أكتوي
والصّمتُ يلهبُ مضجعي وتبسّمي
تمضي بيَ الأيّامُ تغتال المنى
فأئنُّ في يدِها أنينَ متيَّمِ
نشقى ولا من يرعوي لدروسِها
آمالُنا أبدًا هنا كالأنجمِ
نأتي الزّمانَ ونرتجي آلاءَهُ
فيجيئُنا يرمي الصّدورَ بأسهمِ
نبيلة حماني
الدراسة النقدية و التحليلة لأسامة نور
مقدمة :-
**إن الشعر هو فن العربية الأول ، هو الملاذ الذي لجأ إليه مَن وهبه الله الشعور المرهف ،والإحساس العميق
والتأمل والتبصر في الأمور قريبها وبعيدها ، فيعبر المبدع بالشعر عن آلامه وأفراحه ،
وقد عرَّف القدماء الشعر بأنه الكلام الموزون المقفى
ولكن هل يتوقف الشعر وماهيته عند هذا التعريف ..
بالطبع لا..فقد ظهرت اتجاهات ومدارس شعرية حديثة
مثل الشعر “الحر أو التفعيلة” ، “وشعر النثر “
كما أنه ليس كل كلام موزون مقفى يعد إبداعـًا
وليس كل ما يخلو من الوزن أو القافية أو كليهما مرفوض ..
وبهذا فنحن لا نرفض شعرًا أو نقبله على أساس الشكل
وإنما ..ننظر إلى فنيات الشكل الشعري والتجديد فيه وجماليات الإبداع .
——؛؛؛؛؛؛——-
**'”من حيث العنوان ودلالته “
…..؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛………
** ” ماهية العنوان دلالته”
إنَّ للعنوان أهميةً كبيرةً فهو مدخل لقراءة النص ، وبوابة العبور إليه ،وأصبح العنوان في الأدب الحديث،مكونًا رئيسًا من مكونات النص الأدبي ، وقد أعتبره الناقد الفرنسي “جيرار جينت “عتبة رئيسة من عتبات النص ،
والعنوان هنا ‘هذي أنا ” يتكون من كلمتين الأولى هذي اسم إشارة والثانية أنا ضمير متكلم مشار إليه .
العنوان هنا يدل على الذاتية..والتعبير عن النفس داخليًا ،وخارجيًا ..البحث عن الذات ، صراعها ..ماهية الأنا
وعمقها الفلسفي والدرامي ..هي قصيدة تعبر عن الكينونة
والاختلاف …ومايعتري الشاعرة من أحاسيس وصراع ..
——؛؛؛؛؛؛——-
**”من حيث الشكل والموسيقى الخارجية “
كتبت الشاعرة قصيدتها على الشكل العمودي ؛فهي تلتزم الوزن والقافية ..فجاء النص على بحر الكامل التام
متفاعلن متفاعلن متفاعلن ..
وبحر الكامل من البحور الصافية ..ويتميز بموسيقاه الجزله
وهو يناسب التعبير عن التجربة الشعرية بقوة ..ويمكن تغيير الإيقاع تبعًا للتجربة الشعرية والحالة النفسية ..
وجاءت القافية مطلقة وحرف رويها الميم المكسور الحركة أو المشبع بياء المتكلم أو ياء النسب ..
ومن صفات حرف الميم :-
الصفات المتضادة لحرف الميم هي
الجهر،التوسط،الانفتاح ،الاذلاق والاستفال
والصفات التي لا ضد لها الغنة…
كما جاء التصريع في البيت الأول وحسن الاستهلال بقولها :-
هذي أنا في بحرِ تيهٍ أرتمي
والموجُ يهدرُ غاضبًا يغزو دمي
الموسيقى هنا امتزجت بالحالة النفسية ،وحالة الشجن والألم ، وجاءت مناسبة للجو النفسي ..
——؛؛؛؛؛؛——-
**”من حيث اللغة والمضمون والتجربة الشعرية “
جاءت اللغة لتعبر عن الألم ،وما بذات الشاعرة من مرارة ، وبكاء وصراع ..فنجد في بحر تيه أرتمي،يغزو دمي ،زمني ظلام ،بؤسًا،أبكي لضيغة مغذنمي ،يرمي الصدور بأسهمي..
استخدمت الشاعرة الألفاظ التي تعكس تجربتها الشعرية الذاتية ، وتعبر عن حالة الألم والشجن والصراع الذي يصل لحد التشاؤم وبكاء الذات ..فقد رسمت لنفسها وللطبيعة من حولها لوحة مظلمة زاخرة بأنات الألم ..والدموع والدماء ..
فتقول في بداية القصيدة :-
هذي أنا في بحرِ تيهٍ أرتمي
والموجُ يهدرُ غاضبًا يغزو دمي
زمني ظلامٌ ما عرفتُ سطوعَهُ
بؤسًا أتى يخفي الضّياءَ بأنجمي
فأراودُ الأفراحَ فيه وأنحني
لعواصفِ الأوجاعِ تمحو مرسمي
وتدوسُني الأحزانُ لا تحنو على
قلبي وقد أمسى بنار جهنّمِ
تعاني من تيه النفس وشتاتها والتمزق ، والظلام الداخلى والخارجي .والصراع والألم حتى أنها تراود الفرح تستعطفه ليأتي ..وتصف حالتها بأنها في نار جهنم ..
ثم تقول :-
تبكي المدائنُ : طيرُها ونخيلُها
وجميعُ من عرفَ الحياةَ بمأتمي
قد كان ليلي عتْمةً ضمَّ الأسى
بين الضّلوع وفي فؤادي يرتمي
ها قد رآنيْ الصّبحُ في روضاتِه
فبكى كما أبكي لضيعةِ مغنمي
فشراعُ عمري قد غزتْه نوائبٌ
ومواجعي سيلٌ يحطِّمُ موسمي
هنا انتقلت الشاعرة لتضفي على الكون والطبيعة الحزن والألم ..بالطبيعة تشاركها البكاء ..وتصف حالتها بالمأتم ..
ويذكرنا هذا بالمدرسة الرومانسية …وخليل مطران في قوله
شَاكٍ إِلَى البَحْرِ اضْطِرَابَ خَوَاطِرِي
فَيُجيبُني برِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ
ثَاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمََّ ، وَلَيْتَ لي
قَلْبَاً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ !
يَنْتَابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي
وَيَفتُّهَا كَالسُّقْمِ في أَعْضائي
وتستمر الشاعرة في هذا الشجن والبكاء فتقول :-
هذي أنا في جُبِّ نارٍ أكتوي
والصّمتُ يلهبُ مضجعي وتبسّمي
تمضي بيَ الأيّامُ تغتال المنى
فأئنُّ في يدِها أنينَ متيَّمِ
نشقى ولا من يرعوي لدروسِها
آمالُنا أبدًا هنا كالأنجمِ
نأتي الزّمانَ ونرتجي آلاءَهُ
فيجيئُنا يرمي الصّدورَ بأسهمِ
هو الألم والمرارة ..بكائية الذات ..واستسلامها الهوان والألم ..
——-؛؛؛؛؛؛——
**”من حيث الأساليب والصور وفنيات الإبداع “
استخدمت الشاعرة الأسلوب الخبري للتقرير والتأكيد ، ونقل الحالة بدقة والتأثير في المتلقي ..
ونجد ذلك في
هذي أنا في بحرِ تيهٍ أرتمي /والموجُ يهدرُ غاضبًا يغزو دمي/زمني ظلامٌ ما عرفتُ سطوعَهُ/ويستمر الأسلوب الخبري إلى نهاية القصيدة .
ونجد التصوير التي يرسم وجدان الشاعرة، ويعمق الإحساس بالألم ومشاركة الطبيعة الشاعرة في أحزانها ..وبذلك انتقلت بالصورة من السمعي إلى المرئي ..تخرج من العمق الداخل المشتعل بالألم والحزن لتصبغ الطبيعة بهما .
ونجد ذلك في :-
هذي أنا في بحرِ تيهٍ أرتمي /والموجُ يهدرُ غاضبًا يغزو دمي/ بؤسًا أتى يخفي الضّياءَ بأنجمي/فأراودُ الأفراحَ فيه وأنحني/فيجيئُنا يرمي الصّدورَ بأسهمِ
اعتمد الشاعرة على التصوير الجزئي الذي ينقل مشاعرها
وشحنها الداخلي ..
———–؛؛؛؛؛؛————-
** “الموسيقى الداخلية وأثرها “
الموسيقى الداخلية لها دور كبير في النص ؛فهى التي تحدث التشويق والإثارة والاستمتاع ،وتظهر من خلال حسن اختيار الكلمات وتنوع الجمل والأساليب ، وحسن التقسيم ،وتوازن الجمل والعبارات واستنطاق الجملة ،واختيار المفردات المناسبة المعبرة عن الحالة الوجدانية والشعورية .
واستخدام التقطيع الصوتي والجناس والترادف والتضاد.وغير ذلك من المحسنات البديعية ،وجميل المعاني ونلحظ استخدام رائع للجمل في سلاسة وانسيابية واستنطاق لها ..يبرز الحالة في إطار فني بديع ..
يعتمد على الإيجاز والتكثيف والتلميح ،ودقة التصوير ..وحسن اختيار الألفاظ. ..والوحدة العضوية .
فامتزجت الموسيقى الخارجيةمع الداخلية مماجعل النص كائنًا حيًا يشع بالحركة والتناغم الموسيقي…
ونجد ذلك في التقديم والتأخير في بداية النص
“زمني ظلام “، بؤسًا أتى،تمضي بي الأيام ..آمالنا أبدًا هنا كالأنجمِ.
ونجدالتصريع في البيت الأول الجناس في :- ‘ارتمي ،دمي “
ونجد التضاد في” ظلام، الضياء ” “الأفراح ، الاحزان “
“ليلي ،الصبح “” نشقى، آمالنا “..
ونجد حسن التقسيم ..
تبكي المدائنُ : طيرُها ونخيلُها
وجميعُ من عرفَ الحياةَ بمأتمي
وفي
قد كان ليلي عتْمةً ضمَّ الأسى
بين الضّلوع وفي فؤادي يرتمي
وكذلك :-
نأتي الزّمانَ ونرتجي آلاءَهُ
فيجيئُنا يرمي الصّدورَ بأسهمِ
——؛؛؛؛؛؛؛؛———
قصيدة تفيض بالمشاعر الجياشة ، وبالصدق الفني ،والوحدة العضوية ..عبرت الشاعرة عن ذاتها ووجدانها فأثرت في المتلقي وتماس معها ..
**يبقى من وجهة نظري مايلي :-
١-الاعتماد على الأسلوب الخبري..أفقد النص الحيوية ..والإثارة والتنوع وجذب الإنتباه
٢- في قولها قد كان ليلي عتمة ضم الأسى ..استخدام لفظ عتمة للتعبير عن الليل لا يعطي جديدًا ..فالليل مظلم معتم
فالخبر هنا لم يضف شيئًا .وكذلك قولها وتدوسني الاحزان لا تحنو علي ..لفظ تدوسني غير مستساغ شعريًا ، وكيف نطلب من الحزن أن يحنو علينا ..
نوائب ممنوعة من الصرف صيغة منتهى الجموع ، ولكن صرف الممنوع ضرورة شعرية جائزة ..ولكنني لا أحبذ ذلك ..
———؛؛؛؛؛؛؛———–
قصيدة رائعة شكلًا ومضمونًا ..حوت فنيات الشكل العمودي مع التجديد في الصورة وآليات الإبداع
بها حركة وتناغم صوتي ، تحدث تماسًا مع المتلقي ..
فتحقق الإبداع والإمتاع
تحياتي / أســامــة نــور
التعليقات مغلقة.