“بين التشكيل الموسيقي ،وفنيات الإبداع “دراسة نقدية تحليلية لقصيدة” آخِر صوت “للشاعرة د. شيماء عمارة نقد وتحليل أسامة نور
“بين التشكيل الموسيقي ،وفنيات الإبداع “دراسة نقدية تحليلية لقصيدة” آخِر صوت “للشاعرة د. شيماء عمارة نقد وتحليل أسامة نور
“آخِر صوت “
يا آخر صوت سكن روحي
فطلّع روحي للملكوت
فنلقى سكوت
ودقة قلبي مش عارفة
منين تنعاد
وفين الوعد والمواعيد
باعيشها ف ضل بُعده حداد
يفوت العيد
وكل دقيقة بتعافر وبتسافر
على قطر البكا الكداب
بيمشي بين عيون الخلق
فيرسم باب
بيتحايل عليه يرجع
ولا بيسمع
اتاري الفل بيوزع
عناقيد الأفول والبرد
على القلب اللي كان لك طوق
على الحلم اللي صابه الشوق
على الأيام وف الصناديق
ويرسم من دموعنا طريق
نعدي عليه فنتفرّق
ومين فينا اللي كان أصدق
أنا وقلبي ودواير بسمتي وعيون
أو انت لما عشت رحيل… يصب سكون
ما قلنا خلاص.. لقانا جنون
فليه سايب على الشباك
روحين ف بداية القصة
وخيط من غرزة محبوسة
بتغزل توب من الغُصة
وسطرين ما يتكتبوش
ونهر من الغنا الموجوع
وليه سايب على جبين الزمن أشعار
عيون بتداري ع الأسرار
وأسورتين
تقيّد لهفة المعنى
وليه تاني بتوجعنا
وتخلق جوة حبي جحيم
فهات الميم
فهات الميم .. على طرف اللقا الممنوع
وحط الواو ف ضي شموع
ما تنساش إن فيهم تاء
بتحرق أرض للعشاق
بتنبت خوف
يعدي جوة شراييني وتكويني
وكل ما بيني وما بيني
وصوت مكتوم
فليه محتوم …
فليه محتوم ؟؟
يخبي عيونه ف جروحي؟!
يا لهفة اتكلمي وبوحي
وقولي إعتراضك .. لاء
وقولي الحق
لآخر صوت سكن روحي
الرؤية النقدية للأستاذ أسامة نور
مقدمة :-
إن للشاعر مطلق الحرية في التعبير عن مشاعره وأحاسيسه بالطريقة التي تناسبه ،وتتوافق معها ذائقته ،
وتناسب ميله ومشاعره ، ولكن يجب أن يدرك أن الأمر لن ينتهي به ؛ فبعد طرحه القصيدة ،أونشرها يتلقفها
المبدعون ،والمتلقون والمتذوقون ،والنقاد ، ويبقى الإبداع والتجديد والالتزام بفتيات وآليات الشكل الشعري ، والتجديد في المضمون ،والتصوير هو الفيصل في تلقى النص والإعجاب به ، فيجب أن يحقق النص الإبداع والإمتاع ..
وشعر العامية يرتبط بالواقع ،ويصوره بدقة ،فهو إنعكاس للواقع ،وآلامه وافراحه ،لذا نجد شعراء العامية ، يستخدمون التشكيل الصوتي والبنيوي ،بالتزامن مع قضايا واقعية عامة فيحدث ذلك صدي للمتلقي وتجاوبًا مع النص ،بالإضافة إلى اللهجة العامية المستخدمة التي يفهمها الجميع ،
ورغم الهجوم على الشعر العامي من بعض اللغويين ،وهذا الهجوم مبعثه حب اللغة العربية الفصحى ،والغيرة عليها وقد أدى ذلك إلى إهمال النقاد لشعر العامية ، لكنني أرى “أن لشعر العامية دورًا كبيرًافي الأدب ؛ فهو أدب شعبي يرتبط بالواقع والناس ،ويعبر عن آلام الأمة وأفراحها ،وقد تطور بفضل شعراء كبار ؛أثروا في حركة الشعر والأدب ،مثل صلاح جاهين ،بيرم التونسي ،فؤاد حداد ،عبد الرحمن الأبنودي ،ونبيه محفوظ وغيرهم ،
وقد تطور الشعر العامي على مستوى الشكل ،فانتقل من الزجل الذي يشبه القصيدة العمودية إلى التفعيلة الواحدة، كالشعر الحر ..
كما أن هناك شعراء يكتبون ( الشعر العامي النثري ) الذي لا يلتزم بوزن معين ..ويقابل ذلك شعر النثر بالفصحى
ومن هنانجد تطور شعر العامية كان متوازنًا مع الشعر الفصيح .
——–؛؛؛؛؛؛———
**ماهية العنوان “البعد اللدلالي والإسقاط “
للعنوان أثر كبير في جذب المتلقي لقراءة النص ، وله دور كبير في فهم النص ومحاولة تأويلة ،وفك شفراته ، واستكناه مضمونه .
لهذا أفرد النقاد للعنوان مباحث عدة ، وجعلوه مدخلًا رئيسًا للنص ، بل اعتبروه نصًّا مصغرًا يعبر عن النص الأصلي
ويعد الناقد الفرنسي “جيرار جينت ” في مقدمة النقاد الذين اهتموا بعتبات النص ومنها العنوان ” وجاء ذلك في كتابه
“عتبات النص “
وأصبح العنوان جزءًا من النص ، معبرًا عن كليته ، وأصبح
الكتَّاب المعاصرون يعطون للعنوان أهمية ، وعناية في الاختيار .
والعنوان هنا “آخِر صوت “..يتكون من كلمتين آخر خبر مرفوع لمبتدأ محذوف وحذف المبتدأ للاهتمام بالخبر ، وصوت مضاف إليه مجرور ، تكمن صعوبة الأشياء في بدايتها ونهايتها ..فالبداية تحتاج دافعية وإصرار ، والنهاية تحتاج عزيمة وصبر وثبات ، الصوت طاقة لهذا فهو لا يفنى
لأن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم ، فهو باق بموجاته وتردده في الفراغ الكوني ، وبأثره في النفس
وهذا الصوت ليس الأخير الذي سمعته وإنما هو آخر صوت أثر فيها وحرك مشاعرها ، واستولي على مداركها “
واستخدام المجاز هنا يدل على أثر الشخص صاب الصوت ،
والتعلق والارتباط به ، كما يدل على الوفاء والإخلاص له وعمق الحب والحنين ..ويدل على بقائه داخلها ..
“آخر صوت ” عنوان مؤثر غير مباشر ، يوحي بالبقاء الوجداني ..
———-؛؛؛؛؛؛؛؛———-
**من حيث الشكل والموسيقى “
كتبت الشاعرة النص باللهجة العامية ، لكنها عامية راقية ،قريبة من الفصحى ،فهى العامية المتفصحة ..
التي تتجاوب مع المتلقي ،لسهولتها ، وسلاسة التعبير بها
مع تنوع الأسلوب..
..الموسيقى متناغمة سريعة.تخرج معها زفرات الألم ، تشعر بامتزاجها بصوت البكاء،واستخدمت الشاعرة تفعيلة “بحر الكامل “؛ لتخرج كامل طاقتها للتعبير عن مكمن الألم ، واختناق الروح في لوعة الفراق ،ورحيل المحبوب
.”ويظهر ذلك في قولها :-
“يا آخر صوت سكن روحي
فطلّع روحي للملكوت
فنلقى سكوت
ودقة قلبي مش عارفة
منين تنعاد”
كما استخدمت القافية في بعض المقاطع ، لكنها قافية طبيعية مؤثرة أحدثت موسيقى شجية
.ويظهر ذلك في قولها :-
أتاري الفل بيوزع
“عناقيد الأفول والبرد
على القلب اللي كان لك طوق
على الحلم اللي صابه الشوق
على الأيام وف الصناديق
ويرسم من دموعنا طريق
نعدي عليه فنتفرّق
ومين فينا اللي كان أصدق
أنا وقلبي ودواير بسمتي وعيون
أو انت لما عشت رحيل… يصب سكون
ما قلنا خلاص.. لقانا جنون”
نلحظ حرف الروي القاف ،والقاف من حروف القلقلة ومخرجه
أسفل الحلق ، مما يوحي بالألم الداخلي ،
ونجد كذلك حرف النون ويدل على الألم والحزن ..والغنة من صفاته
ونجد ذلك في قولها :-
وصوت مكتوم
فليه محتوم …
فليه محتوم ؟؟
يخبي عيونه ف جروحي؟!
يا لهفة اتكلمي وبوحي..
كل ذلك جعل الموسيقى الخارجية متناغمة شجية ، جزلة ..
امتزجت مع الموسيقى الداخلية ..فأظهرت النص وحققت الاستمتاع ..وتظهر الموسيقى الداخلية من خلال استخدام الجمل القصيرة الموثرة الموحية ، واستخدام الجناس مثل
الوعد والمواعيد/ طوق ،الشوق / مكتوم ، محتوم / بتعافر وبتسافر
إصافة إلى تنوع الأسلوب واستخدام التضاد ،والالتفات ..
والحوار ..
———–؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛———-
** التجربة الشعرية ..وفنيات النص “
من بداية النص تشعر بحالة من الشجن والألم ، استحضار الحبيب الراحل ، ومناجاته ؛ إخراج شحنة من الكتمان ،
فتتهاوى قدرة قواها على التحمل ، وينفجر بركان البوح .
نحن أمام تجربة حياتية صادقة ، غلفتها الشاعرة في إطار إبداعي ،مستخدمة فنيات النص الشعري ، فلم تستسلم لحالة البوح والعاطفة ، والأثر الموسيقي ،
بل النصف الواعي أثناء كتابة النص يكون أكثر توهجًا عند المبدع الحقيقي ،ويكون مؤشرًا وموجهًا له ..
وهذا ماتحقق في قصيدتنا هذه ..
تعيش الشاعرة حالة حداد مستمرة منذ رحيله ..
ويظهر ذلك في بداية النص :-
“يا آخر صوت سكن روحي
فطلّع روحي للملكوت
فنلقى سكوت
ودقة قلبي مش عارفة
منين تنعاد
وفين الوعد والمواعيد
باعيشها ف ضل بُعده حداد”
ويستمر ذلك حتى النص :
في قولها :-
يخبي عيونه ف جروحي؟!
“يا لهفة اتكلمي وبوحي
وقولي لاعتراضك .. لاء
وقولي الحق
لآخر صوت سكن روحي “
فختمت النص بجملة بدايته ذاتها ؛لتؤكد وفاءها له ، وأثره عليها ..
فالنص تعكس حالة المصارحة ،والرغبة في انعتاق النفس مما يكبلها من ذكريات وآلام ..
تساؤلات كثيرة..تنم عن القلق والحيرة، البحث عن الحقيقة ..فلسفة الموت و الحياة…الصراع والشجن ..العمق النفسي والشعوري ..عبرت عن ذلك في إيجاز وتكثيف ..
وجمل مؤثرة ..فجعلت النص حيًا ديناميكيًا …رغم أنه يتحدث عن الفقد والموت ،لكننا شعرنا فيه بالحياة ، والروح
الحاضرة المشعة …وقد عبرت عن ذلك ألفاظ رشيقة مؤثرة تحوي الصدق العاطفي والفني ؛مما يجعل المتلقي يتماس معها ،ويتأثر بها..
وكان للتنوع بين الأساليب الخبرية والإنشائية .
أثره في جذب المتلقي ودفع الملل ..ونلحظ أثر الاستفهام في إثارة الذهن
ومن ذلك قولها :-
فليه سايب على الشباك
روحين في بداية القصة ؟!
وكذلك.:-
فليه محتوم
يخبي عيونه في جروحي؟!
نجد النداء :- فهو استحضار الحبيب الغائب
في يا آخر صوت سكن روحي
فطلع روحي الملكوت /.
يالهفة اتكلمي ويوحي /
استطاعت الشاعرة التعبير عن حالتها الذاتية الخاصة
واستحضار صورة الحبيب الغائب ..باستخدام ضمير المخاطب تارة والحوار التخيلي معه تارة أخرى ..
وصبغت ذلك في إطار من العمق ..والصور الطريفة
مما جعلها تتصاعد بالحالة فأصبحت أكثر تأثيرًا على المتلقي ..فيتماس معها ..ويشعر أنه جزء من النص
فانتقل النص من الخاص إلى العام ،واخترق حواجز الذات
إلى فضاء الكون ..فكأننا نستشعر تصاعد هذه الروح في جلال وهيبة منتزامنًا مع نبضات الشاعرة ..وكلماتها المؤثرة ..
** أبدعت الشاعرة الصور..فجاءت الصور حية نابضة طريفة
..انتقلت من السمعي للمرئي
ونجد من الصور الرائعة الحية ،
يا آخر صوت سكن روحي
/فطلّع روحي للملكوت
فنلقى سكوت/ ودقة قلبي مش عارفة
منين تنعاد
وفين الوعد والمواعيد/ باعيشها ف ضل بُعده حداد
وكذلك :-
أتاري الفل بيوزع/ عناقيد الأفول والبرد
على القلب اللي كان لك طوق/على الحلم اللي صابه الشوق
على الأيام وف الصناديق/
ونجد تتابع الصور وتأثيرها ، فهي سمع مرئية ..تتسم بالمشهدية كما في قولها
فليه سايب على الشباك
روحين ف بداية القصة
وخيط من غرزة محبوسة
بتغزل توب من الغُصة
وسطرين ما يتكتبوش
ونهر من الغنا الموجوع
ونجد ذلك في :-
وليه سايب على جبين الزمن أشعار
عيون بتداري ع الأسرار
وأسورتين
تقيّد لهفة المعنى
وتستمر هذه الصور المؤثرة الرائعة حتى نهاية النص ..
الصورة عند الشاعرة طريفة ، نابعة من الذات المتوهجة لتصعد معانقة الخيال السابح في رحاب الذات الغائبة
واستلهام روحها بالخطاب والمناجاة والتساؤل ..
————؛؛؛؛؛؛؛————-
قصيدة رائعة تحمل فنيات شعر العامية
فنجد استخدام شكل القصيدة العامية في إطار حداثي و
جاء المضمون أيضًا حداثيًا من خلال التجديد
في البنية والصور والتركيب ،وحقق الإبداع من خلال تصوير
وطرح الفكرة في إطار ساخر ..
وفي مشهدية و تشكيل درامي ،وصور رائعة طريفة ، وصدق فني وإيجاز وتكثيف …ونجد الحركة والحيوية والتناغم الموسيقى ،وتنوع الإيقاع، ..مما جعل النص يتماس مع الآخر .
فتحقق الإبداع والإمتاع .
تحياتي/ أســامـة نــور
التعليقات مغلقة.