موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

بين انطلاق الروح المبدعة وانضباط الروح المحافظة في ديوان: ما زال قيدك آسري

386


بين انطلاق الروح المبدعة وانضباط الروح المحافظة في ديوان ما زال قيدك آسري

كتب السيد حسن


تخطو الشاعرة “ريهان القمري” في مجموعتها الشعرية الجديدة “مازال قيدك آسري” خطوات كبيرة على طريق الإبداع الشعري، بحيث تبدو أكثر ثقة في التعامل مع اللغة وأكثر قدرةعلى التعامل مع الصورة والموسيقى.
وهي توازن موازنة دقيقة بين انطلاق الروح المبدعة المغامرة الرافضة لكل قيد من ناحية، وانضباط الروح المحافظة التى تتسق مع الروح المصرية المحافظة من ناحية أخرى، بحيث تبدو نصوصها إبداعاً فنياً، تحت شرط الالتزام الأخلاقي والاجتماعي المتين.
وهي تمارس في نصوصها لوناً من ألوان التمرد، لا من أجل الشعر، بل على الشعر ذاته، بحيث تفتتح مجموعتها بنص تتوسل فيه إلى حبر الكتابة لكي يتركها ولا يبوح بمكنون نفسها، لأنها تتعذب به، في كل منحى يذهب بها إليه:

رجوتك يا حبرُ : فارقْ دواتي
فقد بات حــــرفي عليلَ اليقين ْ
ويا ويلهــــا ذكــــرياتي فإنــي
ذبحــــتُ بها كــــلَّ فكرٍ رهين ْ
أراهــــنُ قلــــبي ويا كبـريائي
تردَّى كســــيراً أمام الحــــنينْ
خسرتُ رهاني وكم كنت أقوى
بقلبٍ رحــــيمٍ و عقــــلٍ فطينْ

ثم إنها سرعان ما تجعل نبرتها المتمردة أعلى وأعلى في القصيدة التي منحتها اسمين معاً: “لا تكتبيني”، و”القصيدة الأخيرة”، والاسمان كاشفان عن هذا التمرد الحاد على القصيدة، بحيث إنها تنطلق من كون القصيدة هي التي تكتب الشاعرة، وليس العكس، ثم تأمرها بألا تكتبها، ولأنها تدرك أنها حتى وهي تأمرها بذلك، تكون في حالة الكتابة فعلا، فإنها ترجوها، وقد كتبت بأن تكون هي قصيدتها الأخيرة:

انســــني يا منبع الشعــــــــرِ ولا
تقـذف الأبياتَ يومــــاً في يميني
لا أريــــــــدُ الشعــــرَ يأتيني ولا
تولَــــدُ الأبياتُ نزفــــاً من وتيني
أنتِ يا أبياتَ شعـــــــــري مقتلي
فاخنقي ما شقَّ سمعــي من طنينِ
أنتِ مِنِّي قد تكــــــــــــونين الذي
سال يوماً من دموعي في مَعيني
أوقفــي ذاك الذي فــــــــاض ولا
تكتبــــي أنَّاتِهِ …. لا تكتبينـــــي

البعد الأخلاقي المحافظ البين سوف يكشف عن نفسه في أكثر من ملمح من ملامح هذه المجموعة، بدءا من الإهداء الذي سوف تتوجه به إلى شريك حياتها ورفيق سفرها وملهم إبداعها:
إلى هذا الذي ضمني قي كل أوقاتى
في هذياني، وفي بسمة قسماتي
إلى شريكي وآسري ورفيقي
وصاحبي فى السفر
مروراً بالقصائد التي تخاطبه فيها مؤكدة أنه يمتلك عليها كل المشارق والمغارب، بحيث يصبح اسمه ذاته الهواء الذي تتنفسه:

أتنفسُ إسمــــك يا عمــــري
فتطيب بعطــــرك أنفاســـي
أترنمُ دومــــــــــــاً أحــــرفَهُ
تحتلُّ شعــــائرَ قــــــــداسـي
أنســــى المتبقيَ من لغــــتي
أنســــاني ..أنســــاها ناسي
أتذكر إسمــــــــَك…يسكنني
ليزاحــــمَ زُمــــرةَ جُلاَّســي

ثم هذه الوقفات الاجتماعية الوفية التي تقفها في حضرة أفراد أسرتها، فهاهي هي ذي تقدم تحية خاصة في يوم مولد والدها الذي هو في الحقيقة ميلاد لها:

حــــبيب قلــــبي مــــولدي منـــك أنا
أنت ابتداءُ الفَجر في عمــري الربيب
تسقي الشــــروقَ ضَــــيَّهُ من بســمةٍ
وَضَّــــاءةٍ وحسنهـــــــا دومــــــاً رطيبْ

وها هي ذي تطلعنا على وقفتها الباحثة دائما عن باب أمها، ذلك الباب الذي تتوه كل الدروب المفضية إليه، وكأنها تآمرت على أن تحرمها دفء هذا الحضن الذي تكتمل فيه وتكتمل به، فالطفولة التي تسكنها لا ترضى بعير هذا الحضن ولا غير هذا الباب، ولك أن تؤول الأمومة هنا بما شئت: أماً أو وطناً، وطناً أو أماً:
تتــــوهُ الــــدُّروبُ لبـــابِكِ أُمــــي
لِشَطّــــكِ مَرســــى ولا يُستطــــاعْ
فأنت ِ النِّضــــالُ علــى مُستحــــيلٍ
وضــــرعٌ يعيشُ بكــــل امتقـــــاعْ
فلا للرضــــيعِ بدفــــقٍ تضـــــــني
ولا للصوصِ يكـــــــون انقطــــاعْ !

ثم رثاء جدها الذي تكذِّب الدنيا جميعا بشأنه ولا تقبل فكرة رحيله، فالذين يسكنون قلوبنا لا يرحلون، والذين يحتلون ذاكرتنا لا يرحلون، والذين يقيمون في كل تفاصيل حياتنا لا يرحلون:
عبيرُ شــــذاه يجــوب التراقي
وســـرُّ الخلــــود تعطَّــــر منَّا
فروحــــي لروحٍ تُقــــيمُ فُتاتي
وكم كذبوا عند وصفِ المُثنَّى

فقيل: المثنى …و كان لبعضٍ
أتى باكتمــــالٍ لكلِّ ، وســــنَّ
فكيف سأحيا حـــــــياةَ التنائي
وبعضي بنبضِ حبيبي تغنَّى؟!
وهذه النبرة الأخلاقية المحافظة المحبة سوف تصل إلى قمتها حين تتوجه القصيدة إلى العشق العظيم الذي لا لوم فيه ولا عذل ولا عتاب، محبة محمد صلى الله عليه وسلم صاحب العطر الكريم والنهج القويم والرحمة الغامرة:
قالوا : وهل من وقفــــةٍ في عشقه
قلت :وهل في العشـــق ما أخشاهُ؟
هــو الذي يسقــــي أُوامَ مهجــــتي
تحــــيا به و ترتجــــي سُقــــــــياه
أحببت فيه حســــــــنه و نهجــــــه
دنــــوت منه علَّــــــــني ألقــــــــاهُ
ما إن دنوت خطوةً فاض الجوى
والقلــــــــب يشكــــر الــذي دلاَّه
كما أنها سوف تبلغ ذروة الذرى، وعين اليقين، حين تتوجه إلى رمضان بالرجاء بأن يتمهل وألا يمضي سريعاً، لأن فيه التجلي االنبيل الذي يمد النور بين القلب البشري المحب والنور الإلهي الأعظم
ترتوي دقــــاتُ قلــــبي عندمــا
أطــــرقُ البابَ إليه و يَمِـــــــنُّ
بدعــــاء ناجــــعٍ في سجــــــدةٍ
رشفةٌ في طيبها حضــنٌ و أمنُ
و يقيــــــــنٌ رابــــحٌ لو نلتقــي
بنهــــارٍ أو بليـــــــلٍ إذ يُجــــنُّ
فلمتهــــلْ خـير شهــــرٍ بالورى
كم تمنوا فيض وقتٍ كـــم تمنوا
إنها النبرة ذاتها التي تناجي بها الشاعرة ريهان القمري الخالق العظيم الذي يؤنس أسحارها ويعلم أسرارها ويضيء قلبها بالضياء المقيم:
رُحماكَ يا مؤنسَ الأسحارِ رحماكــاً
في أضلعي مضغــــةٌ تشتاقُ رؤياكا
تحتلُّ مني الفؤادَ المرتجــي رَمَقــــاً
وما تبقى به يسعــــى بممشــــــــاكا
و مُقلتي مقلــــةُ المُلتاحِ ظــــــــامئةٌ
وضــــوؤها يرتوي من نور نجواكا
أنهارُ نورٍ على الوديانِ يقطُنُهــــــــا
ذاك السنا لؤلؤاً من جـــــــودِ يمناكا
الذات حاضرة حضوراً بيناً على مدى نصوص الديون كلها، بحيث يجري التعبير بضمير الأنا في كثير من الأحيان، وحتى حين ينتقل إلى ضمير الأنت، فإن هذا الآخر المخاطب –غالبا- لا يتحدث، وإنما هو يصبح موضوعاً للحديث أو مخاطباً به من قبل الأنا المتحدثة، لذلك فإن قصيدة “دويتو” تتسم بخصوصية شديدة لأنها تفلت من أحادية الصوت وتنتقل إلى ثنائيته، في حوار متبادل، بينها وبينه، أو بين ال”هو” وال”هي”، وكل منهما يعبر عن رؤيته للآخر، ومحبته له، وأسباب هذه المحبة، وأحوالها، وهو نص يكشف عن دهاء فني جميل، بحيث تبدو الشاعرة ريهان القمري قادرة على أن تتخذ لكل منهما مداخل تتفق وطبيعته الذكورية أو الأنثوية، وفي الوقت ذاته يكشف عن قدرتها على التعامل مع التفاصيل الصغيرة التي تمثل اقتراباً حقيقياً من جوهر الشعر ومعنى الشاعرية:

*أحبكِ غــــادة كلِّ النســــــــاءِ
وغــــــانيتي تستثيرُ جــــنوني
**أحــــــبكَ يا من رأيت دلالي
كغانيةٍ خلفَ حصــني الحصينِ
*أحــبكِ بين الطفــــــــولةِ أنثى
تجيدُ التغــــابي بعقلٍ فطــــــينِ
**أحبكَ رغم التغــــــــابي ذكياً
فتقرؤني قبل نفســــي قــــريني
كذلك فإن الرمزية تتخذ طريقها إلى نصوص الديوان، بطريقة تذكرنا بالشاعر المهجري الكبير إيليا أبي ماضي، بحيث تقول الشاعرة ريهان القمري كثيراً من المعاني التي تريدها، وتعبر عن بعض الفلسفات التي تتبناها، عبر كائنات أخرى، لا بشرية، وهي بذلك تضمن الإفلات من أسر المباشرة، وتمنح قصيدتها إهابا رمزياً جميلاً، وذلك على نحو ما نجد مثلا في قصيدة الأوركيدة والفراشة والحوار الدائر بينهما، والذي يمثل خطوة أيضاً على طريق تعدد الأصوات داخل القصيدة:
بين الحقولِ المُزْهِراتِ تعطَّرَتْ
(أوركيــدةٌ) لفراشــــةٍ تَتَحـــــنَّى
رفلــــتْ إلى أوراقِهــــا بتبخــتُرٍ
وَ لِحُضْــــنِها في لهْفــــةٍ تَتَدنَّــى
قالت لها : في صــــبرنا ترنيمةٌ
أمســــى بها وترُ الكمــــانِ فأنَّ
قــــــــدرٌ لنا أرواحُنا يا زَهرتي
تَبْقى كما أُسطــــــــــورةٌ تتغنَّـى
(أوركيدتي)لا تسأليني مهــــرباً
من رحلــــــــةٍ أحـــداثُها تتجنَّى
هل ينبغي لي الآن أن أتحدث عن اعتصام الشاعرة “ريهان القمري” بالتراث العربي العريق، كلون من ألوان التعبير عن روحها المحافظة، بحيث تبدو اللغة بالغة الرصانة، أو تحاول أن تكون كذلك، وتبدو الصورة شديدة الاتكاء على الشفرة العربية المتفق عليها، وتبدو الموسيقى مستظلة بظل الخليل بن أحمد الفراهيدي، وكأن الشاعرة تفضل السير في المناطق الآمنة، ولا تميل إلى التجديد المشتط، مكتفية بأن تعبر نصوصها عن ذاتها في صدق واتزان؟
أم أترك هذا لكي يكتشفه القارئ بذاته، وفقا لذائقته، وتوجهه، ومذهبه الفني الخاص؟!
وهل ينبغي أن أشير إلى الذائقة التشكيلية الرفيعة التي مكنتها من أن تتخير لوحة الغلاف واللوحات الداخلية المصاحبة للديوان بحس تشكيلي رفيع واتساق جميل مع اسم المجموعة أو موضوعات نصوصها؟!
إننا باختصار أمام مجموعة شعرية تحمل الكثير من جوانب التميز وتعد بأن الشاعرة ريهان القمري سائرة بجد على الطريق.

التعليقات مغلقة.