“بين ماهية الشعر وفنيات الإبداع ” دراسة نقدية تحليلية لقصيدة “خيول القصيد ” للشاعر عماد علي …نقد وتحليل أسامــة نـور
“بين ماهية الشعر وفنيات الإبداع ” دراسة نقدية تحليلية لقصيدة “خيول القصيد ” للشاعر عماد علي …نقد وتحليل أسامــة نـور
خيول القصيد للشاعر عماد علي
تنداح فوق مغاني النجم أغنية
يجلو بها السحر والإبداع فنان
من نفح داؤود آيات تمازجها
تبارك اللغز يزكيه سليمان
طافت مدى الروح تحكي روعة ورؤى
يصوغها كدراري النور إيمان
وصولة للهوى القدسي فارسها
يرفه الوعد لاأنس ولاجان
ورب فاتحة للعشق يسكبها
على الهجير نجي الروح ظمآن
تأنقت لغة للشمس حالية
ووحيها كغيوث الأفق هتان
تصوب رائعة للحسن مشرقة
وكم عراها على الأيام أشجان
يدبج الألق الوقاد صاحبها
وكم يضوع بها عطر وريحان
يجلجل السحر في أرجاء دوحتها
ويستفيض بها در ومرجان
عشق يطوف وآمال يتيه بها
قلب بمستعر الأشواق حران
جدائل الصبح تحكيها منمنمة
ورب أهيف يحكي حسنه البان
وشي تبارك مزجيه ومبدعه
حسب الجمال مدى فالأفق نشوان
ورب شعر به تختال صادحة
تشدو فتسكر من ذا الشدو أفنان
نفلسف الدمع آهات مرزأة
ووابل الحرف في الأحزان بركان
يهمي فضاء من الأشعار باكره
حلم الضياء وتجلو الحلم أحزان
فالمبدعان لفيض الشعر إنهما
على الزمان رؤى سكرى وشيطان
ومهجة سكبت آمالها حمما
كلمى الجراح وبعض السر إعلان
كأننا في فضاء الشمس قافية
تسمو وحسبك تزجي السحر أوزان
تزهو على الدهر أمداء البحور بها
وكم يتيه بها بحر وخلجان
مقدمة :-
إن الشعر هو فن العربية الأول ، هو الملاذ الذي لجأ إليه مَن وهبه الله الشعور المرهف ،والإحساس العميق
والتأمل والتبصر في الأمور قريبها وبعيدها ، فيعبر المبدع بالشعر عن آلامه وأفراحه ،
وقد عرَّف القدماء الشعر بأنه الكلام الموزون المقفى
ولكن هل يتوقف الشعر وماهيته عند هذا التعريف ..
بالطبع لا..فقد ظهرت اتجاهات ومدارس شعرية حديثة
مثل الشعر “الحر أو التفعيلة” ، “وشعر النثر “
كما أنه ليس كل كلام موزون مقفى يعد إبداعـًا
وليس كل ما يخلو من الوزن أو القافية أو كليهما مرفوض ..
وبهذا فنحن لا نرفض شعرًا أو نقلبه على أساس الشكل
وإنما ..ننظر إلى فنيات الشكل الشعري والتجديد فيه وجماليات الإبداع …
العنوان مدخل لقراءة النص
عنوان النص” خيول القصيد ” عنوان فيه زهو وافتخار فالخيل رمز للفروسية والعزة والرفعة والشرف ، فالشاعر هنا يفتخر بشعره ، وفروسيته الشعرية ؛ فهو فارس يمتطي جياد الشعر؛ ليعبر ،ويبدع ويصول ويجول في ساحة الشعر ..
لهذا فقد وُفق الشاعر في العنوان؛ لما له مِن أثر في النفس والفكر ، كما أنه يعبر عن التمسك بالأصالة ،فقد أشتهر العرب بالخيول الأصيلة القوية الجميلة السريعة ،كذلك اشتهروا بالشعر الموزون المقفى بفنياته وإبداعه.
من حيث الشكل والموسيقى والمضمون
أتخذ الشاعر الشكل العمودي الموزون المقفى ليعبر عن مضمون قصيدة ، فقد التزم الوزن والقافية ..وجاء النص على بحر البسيط “مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن “مع استخدام العلل والزحافات المناسبة له كما التزم بالقافية وحرف الروي النون المضمومة بما تحدثه من نغمة موسيقية ، لها أثرها في النفس ،وتناسب الحالة الإبداعية والمضمون .لهذا فقد وُفق الشاعر في أختيار الوزن والقافية والروي ..
كما التزم التصريع في البيت الأول ..لهذا جاءت الموسيقى الخارجية ..رقراقة صافية متناغمة
وذلك بالإضافة للموسيقى الداخلية التي سنتحدث عنها لاحقًا …
**بدأ الشاعر قصيدته بأسلوب خبري يعبر عن أثر الشعر ،فهو جنة يحوي الآفاق والأكوان ، كما أنه أوطان للنور والحب ..استهلال رائع بالتصوير المركب المعبر ..
هذا العالم يزخر بالجمال والسحر والإبداع
فيقول الشاعر :-
“من جنة الشعر آفاق وأكوان
كأنها للسنا والحب أوطان
تنداح فوق معاني الشعر أغنية
يحلو بها السحر والإبداع فنان”
ثم يستخدم الشاعر التناص القرآني ..فيشير لسيدنا داود بصوته الجميل العذب ،و إلي حكمة سيدنا سليمان
فيقول :-
“من نفح داؤود آيات تمازجها
تبارك اللغز يزكيه سليمان “
ثم يعبر الشاعر عن جماليات الشعر والإتقان فيه
والسمو بحالة الشعر ، فالشاعر يسمو بشعره وبفنه ويفتخر بذلك ،فيسمو به الشعر ويزهو .
فيقول في نهاية النص:-
“كأننا في فضاء الشمس قافية
تسمو وحسبك تزجي السحر أوزان
تزهو على الدهر أمداء البحور بها
وكم يتيه بها بحر وخلجان”
الموسيقى الداخلية …اللغة والأساليب والصور
استخدم الشاعر اللغة الجميلة الرقيقة المعبرة ، فهو يجمع بين جزالة اللفظ ورقته ودقته..
أعتمد الشاعر الأسلوب الخبري في النص للتقرير والتأكيد…مثل”
“من جنة الشعر آفاق وأكوان
، تنداح فوق معاني النجم أغنية”
حتى نهاية النص..وقوله
“وكم يتيه بها بحر وخلجان”
..وجاءت الموسيقى الداخلية متمثلة في التصوير والبديع والمعاني ..
فقد اهتم الشاعر بالتصوير ورسم صور جزئية وكلية ..لهذا كان النص أشبه بلوحة فنية زاهية ..
وقد أجاد الشاعر في تصويره وأبدع فيه ..ومن ذلك ..
العنوان في صورة رائعة خيول القصيد
،من جنة الشعر آفاق وأكوان
،تنداح فوق معاني النجم أغنية
يصوغها كدراري النور إيمان
،ووجها كغيوث الأفق هتان
وهكذا لا يخلو بيت من صورة وأكثر
وهذا يدل على أن الشاعر تجاوز الشكل ولم يتوقف عند الوزن والقافية وإنما أبداع في المضمون ..
** كما أستخدم الشاعر المحسنات البديعية مثل التصريع في البيت الأول ..
،والجناس الناقص بين مغانٍ وأغنية
،كذلك الطباق ( التضاد) في
أنس وجان
،السر وإعلان
كذلك استخدم الشاعر أسلوب القصر للتأكيد والتخصيص
في بداية النص .”.من جنة الشعر آفاق وأكوان”
كذلك أستخدم الفعل المضارع التجدد والاستمرار
** كل هذا جعل النص متناغمًا متحركًا ، فيه عذوبة سلاسة يحمل الطبع لا الصنعة ..
يزخر بالجماليات والفنيات الإبداعية ..
يحمل مؤثرات الحركة والضوء والصوت
فالحركة في خيول ..وتنداح ..طافت..وصولة
والضوء مثل السنا ..النور الصبح ..الضياء ..الشمس
والصوت مثل أغنية ..نفح ..تحكيها ..
تبقى من وجهة نظري..
*” الشطر الأول في البيت الثالث ( طافت مدى الروح تحكي روعة ورؤى)
هو سليم من حيث الوزن ..ولكنه منافر في الإيقاع لبقية النص ..كما أنني أشعر أنه لا يتسق مع الجمال الإبداعي في النص ..فليس بمستوي النص في الدهشة والإبهار ..
**الاعتماد على الأسلوب الخبري فقط جعل النص يخلو من عوامل إثارة الذهن والجذب الذي يمنحها الأسلوب الإنشائي كالاستفهام وغيره …
…….؛؛؛؛؛؛؛؛………
** قصيدة رائعة شكلًا ومضمونًا ..حوت فنيات الشكل العمودي مع التجديد في الصورة وآليات الإبداع
بها حركة وتناغم صوتي ، تحدث تماسًا مع المتلقي ..
فتحقق الإبداع والإمتاع
تحياتي / أســامــة نــور
……………….
التعليقات مغلقة.