تألم داخل حدود آمنة
بقلم د.إيمان عفيفي
الألم..كلمة من أحرف ثلاث لكنها ثقيلة جدا ..ثقيلة حين تقال و ثقيلة حين تسمع و ما أقساها عندما تحس..
الألم، سواء كان ماديا أو معنويا، إن تمكن منا جر في طياته جزءا من أنفسنا يذهب بلا عودة حتى بعد التعافي منه ،لذا لا شك أن الألم خطر ليس بهين على الجسد و الروح و العقل أيضا
لكن الروح هي الضحية الأضعف من بين هؤلاء ! فبقليل من الوعي و المعرفة نستطيع أن نحمي أنفسنا من آلام الجسد و بقدر من الحكمة و الإدراك يمتلك العقل أسلحة الوقاية و العلاج ..أما الروح لا تعلم أين يكمن الخطر لتأمن شره ، قد تصاب أرواحنا و تتألم و تعاني في صمت دون أن نشعر ،حتى يتمكن منها الألم و يلازمها إلي النهاية ، بل يمكن أن تأخذ الروح المتألمة بصاحبها إلى بحر عاصف يتخبط به في كل اتجاه حتى يصبح مسلوب الإرادة فاقد السيطرة و يتوه عن أهدافه و مبادئه ،و لا يعي ذلك إلا بعد فوات الأوان
إذن كيف نحمي أرواحنا من هذا الخطر الخفي؟! ..لنلجأ إلى خالق الروح و الجسد و نتدبر في حكمته .
إذا مرضنا، لا ندرك ذلك إلا عندما نتألم .يبدأ الجسد في طلب التعافي بلغته الخاصة فيتألم الجزء المصاب و يكف عن العمل حتى ننتبه إليه و نبدأ في البحث عن الدواء. أما إذا لم نلتفت إلى هذا النداء، قد يصل الألم لدرجة لا نستطيع أن نتداركها لأننا تركناه يتخطى حد الأمان و السيطرة.
إن كان هذا ما يحدث في حال الألم المادي الملموس معروف الهوية فالأولى أن يطبق على الألم المعنوي الذي ينهش فينا أحيانا دون أن نشعر ..
نتعرض جميعا للضغوط النفسية من كل اتجاه العمل و الدراسة و المسئوليات اليومية والمستقبلية، حتى العلاقات الاجتماعية . ليست فقط المفروضة علينا و إنما أحيانا نختار بأنفسنا علاقات نحسبها البلسم و النسيم العليل وسط حرارة تصارعات الحياة بينما تكون هي حمل زائد على أكتافنا.
وسط هذا الخضم و الزحام يتسلل الألم إلى أرواحنا اللاهية يسلبها سلامها الداخلي دون أن نشعر . أراه كاللص الحاقد يشعل عود ثقاب في ظلمة الليل ،يرميه على أرض خضراء خصبة ببراعم مثمرة ليطلع عليها النهار و هي صحراء جرداء …نعم مازالت تربة حية لكن زرعها بلا ثمار..
مازال التساؤل مطروح كيف نحمي أنفسنا من هذا الخطر المخيف؟!…يجب أن نتنبه لأنفسنا حين تتألم و هذا ليس بأمر صعب فالأعراض تظهر على الفور تنتظر من يلتقطها بعين الفطنة.. إذا فقدنا متعة الحياة فأرواحنا تستغيث .
عندما نأكل و نشبع دون أن نتذوق الطعام،عندما نصحو على فجر جديد و شمس مشرقة و مازال ظلام الليل يحيط بنا..
إذا ابتسمت دون أن يفرح قلبك و حزنت و لم تدمع عيناك فاعلم أن روحك تئن ألما و تطلب المداواة.
إذا لم تدرك ذلك و هو مازال في حدود الأمان ستفقد نفسك و تحيا جسدا و عقلا بلا روح
ستفقد حبك للحياة و أملك في غد أجمل ..سوف تستسلم للإحباط و الفشل دون أي عزيمة أو طموح نحو النجاح..ستعمل حتى الإجهاد بلا أي حصاد…ستتبلد مشاعر الفرح و الحزن لديك و ترى الجمال و القبح سواء ..في كلمات مختصرة ستصبح ” ميت على ظهر الحياة”..
لهذا عزيزي القارئ انتبه لروحك دائما حين تتألم و اعطها حقها و حافظ عليها ..ابحث عن مصدر الألم و ارحمها منه إما ببتره إذا كان لك الخيار إو بمعاهدة سلام إن كان مفروضا عليك ..
لقد خلقنا في كبد ،هذه هي الدنيا بوجهها الصحيح تلاحقنا الآلام على طول الطريق و لنا الخيار بين الجهاد أو الاستسلام .إما أن نطلق لها الساحة لتفتك بنا أو نروضها داخل حدود آمنة و نتعلم من كل ألم جديد ليشتد العود دون أن ينكسر
التعليقات مغلقة.