تاجر الروبابكيا
ابراهيم معوض
ــــــــــــــــــــــــــــ
ليلة مملة .. التلفاز يعلن خطاباً حماسياً، والشارع يعج بأصوات مشجعي الكرة، يبدو أنها مباراة هامة؛ كلما رفعت صوت التلفاز لم أسمع، الملل يزداد؛ صخب في الشارع ووحدة في البيت، أين أصدقاء المقهي؟ إنشغلوا وتاه كل واحد منهم في طريق لقمة العيش داخل أو خارج البلاد؛ حتى شلة السوء إنفرط عقدها يا أبي؛ ضحكت حين تذكرت ملامحه وهو يقولها بحنق: الشلة دي هتضيعك.. لم أفهم ولم أسأل بلما أو كيف، ليتك حيا يا أبي كي ترى أن الجميع بالفعل قد ضاعوا في دهاليز الدنيا، كلما هدأ صوت الشارع زاد الحماس في الخطاب؛ يبدو أن حنجرة الخطيب مربوطة باقدام الفريق الآخر، رفعت أصوات ضحكاتي كي أسلي ليلتي، تصفحت قائمة التلفاز كرة وخطابات وأغاني هابطة، قمت أتجول في أرجاء البيت بلا هدف، شربت شاياً كثيراً، لعبت الشطرنج وحدي وكل مرة أفوز وأخسر، ليس لي في الكرة ولا الخطابات يا ناس ماذا أفعل؟ مللت النوم والخروج،إن للوحدة أزيز يؤلم أذني، فلم يطرق بابي منذ أعوام إلا بائع الروبابيكيا الذي طلبت منه أن يوفيني بكل قديم حتى لو كان مذياعاً معطلاً، ومنذ ذلك اليوم وقد صارت شقتي مثل سوق الأربعاء، رن جرس الباب يبدو أنه هو.. أسرعت كي أدرك أن الطارق بالفعل قادم من الماضي ولكنه ليس تاجره، إنها جارتي الحسناء لم تتغير نظراتها البريئة ولا طلباتها المصطنعة، لقد عادت أخيراً، بعد غياب دام لسنوات، منذ أن تزوجت وسافرت مع زوجها الخليجي، الذي لم يقطف منها إلا تفاح خديها وإبتسامتها، ولم يمنحها سوي بطنا ممدودة للأمام وكأنها تحوي وعلاً برياً، طلبت أن تقترض من عندي مشابك إضافية فقد نفذت مشابكها والغسيل كثير، فأحضرت لها كيساً كبيراً مكتظاً؛ فليس لي حاجه بها فأنا أرسل ملابسي للمغسلة، ظلت تحصيها وقتاً حتي تتمكن من إعادتها كاملة فنصحتها أن لا تشغل بالها بالعدد فإنها مديونة لي بمشابك كثيرة، فضحكت وقالت: يوه.. أما زلت تذكر
فقلت: لا يمكن أن أنسي ولكنى أسامح.. فقالت: وهل يمكن أن تسامح الآن؟ قالتها وكأنها تشير إلى بطنها وفي عينيها دمعة مجهده.. فقلت: كيف لأسرة مثلكم أن يكون لها كل هذا الكم من الغسيل؟ فقالت: أنا وحيده فعلاً ولكن معي أربعة من الأولاد فأهل الخليج لا يحددون النسل.. ثم ضحكت ضحكة ساخرة، وقالت وكأنها تغير الموضوع: هل سمعت خطاب اليوم؟.. فقلت:أي خطاب؟ هل صدر قانون يحرم تجارة الرقيق؟.. فأدارت وجهها وغادرت مسرعة حين سمعت أقدام ثقيلة تقترب، أغلقت الباب علي بقايا طيفهما ومازال صوت المشجعين ينفذ من الخارج عالياً: والله الحكم دا مرتشي..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إبراهيم معوض
(من مجموعة أحداث ما قبل الرصف)
التعليقات مغلقة.