تجليات العامية على باب مصر “محمود بيرم التونسى “
يقلم سيدة القصاص
بحث…وتقديم
سيدة القصاص..
يابيرم مالت الدنيا عليك
وشْرِبتْ من نارها
سافرت بلاد وشفت أوْغاد
وبرضه رجِعت لمَدارها
دي مصر جنة الفنَّان
يعيش فيها نغم كروان
بترفع راية المظلوم
وتطفي حرقة الشرْقَان.
“سيدة”
نتابع لقاءنا بالراحل شاعر العامية المصري التونسي الأستاذ :
“محمود بيرم التونسي”
وهو ينتمي إلى عائلة تونسية من أعرق العائلات،
كان لها نفوذ إداري وصيت علمي في فترة حكم البايات لتونس، وحسب الروايات المتواترة فإن جده مصطفى بيرم كان رحل إلى الحجاز في منتصف القرن التاسع عشر لآداء فريضة الحج،
وفي أثناء عودته بالباخرة أغرته مدينة الاسكندرية بالإقامة فيها،
فوضع رحاله هناك سنة 1833 وتزوج،
وتعاطى مهنة التجارة والصناعة وأنجب أبناء توارثوا عنه صناعة النسيج، وواصلوا حياتهم بهذه المدينة، إلى أن ولد محمود بيرم في 23 مارس 1893 بحي الأنفوشي بالاسكندرية، ونشأ وترعرع وتردد على كتّاب الحي فحفظ القرآن الكريم،
وتلقى مبادئ دراسته الأولى، ثم اختلط بطلبة المعاهد، وحضر بعض الدروس الحرة، وانطلق بعدئذ يعلّم نفسه بنفسه، منصرفا إلى المطالعة بالمكتبات العمومية،
مترددا على الأندية الأدبية، مكتشفا مواهبه بالفطرة والسليقة دون مرشد أو مساعدة.وفي الحياة تخلّقت عبقريته وتفتّحت على النّكبات والمحن،
إذ توفي والده وعمره 12 سنة، كما توفيت والدته وعمره 17 سنة فتركته غلاما يافعا وحيدا في الحياة. وحاول بعدهما تحسس طريقه في الحياة فامتهن شتى المهن، في محل للنجارة لدى زوج أمه “المعلم الشريدي”،
وفي مصنع والده الذي فرط فيه بعدئذ لأبناء عمه، ثم صيادا فبقالا، غير أنه فشل في جميع تلك المهن،
وخسر رأسماله وبدّد ما كان بين يديه من الثروة القليلة التي ورثها عن والده. وقادته الصّدفة إلى الصحافة حين أخذ يكاتب بعض الصحف ويمدها بالقصائد والأزجال،
فتبنّت محاولاته الأدبية الأولى في سنة 1917 جريدة “الأهالي” بالاسكندرية لصاحبها عبد القادر حمزة، وانطلقت شهرته عندما نشر قصيدته الشهيرة عن المجلس البلدي التي كانت نقلة أدبية مهمة في حياته،
ذلك أن أهالي الإسكندرية كانوا “بيْرميّين” بمجلسهم البلدي المكوّن من الانجليز، وممارساتهم العنصرية، فوجدوا متنفّسا في تلك القصيدة النقدية التي تلقفها الناس بشغف وتداولوها وترجموها حتى إلى أعضاء المجلس، فأصبح اسم الشاعر على كل لسان وذاع صيته، وسعت الصحف إلى نشر انتاجه.
وشعر بيرم بعد هذا النجاح الأدبي أنّ إمكاناته أكبر من المدينة التي كان يعيش فيها، خصوصا أنّه قد أصبح موضع منافسة وحسد من بعض الصحفيين فيها، فشدّ الرحال إلى القاهرة.
التعليقات مغلقة.