تحت مظلة الانتظار بقلم إبراهيم مصري النهر
في أحد أيام الشتاء، والسماء ملبدة بالغمام، وتنذر بهطول مطر وشيك؛ تجلس سيدة في العشرينات من عمرها تحت مظلة انتظار المرضى بالمستشفى، يبدو عليها أنها في الشهور الأخيرة من حملها، تتحدث معها امرأة عجوز؛ أكل عليها الزمان وشرب، تسند ما تبقى من قواها بعكاز في يدها، تتكلم بنبرة عالية ومتهدجة وشفتين مرتعشتين، تسألها أسئلة كثيرة: عمَّا إذا كانت حبلى، ومتى ستلد، ولماذا تخرج وحدها ولا يصطحبها زوجها أو أحد من أهلها وهي في الشهور الأخيرة من حملها، …؟!
والسيدة تشعر بالخجل، تحاول اسكاتها دون جدوى، فالعجوز مسترسلة في أسئلة متتالية ولا تعطيها فرصة للرد أو إن شئت قل لا تنتظر منها ردا من الأساس.
ثم سكتت فجأءة وأطرقت إلى الأرض؛ تنفست السيدة الحامل الصعداء، لكن السكوت لم يدم طويلا وواصلت العجوز حديثها المعجون بماء الحزن: لا تخافي يا ابنتي ألم الولادة، ففرحتك بالمولود المنتظر ستنسيك إياها.. وتنهدت تنهيدة طويلة واستدركت: المؤلم حقا أن ترضعيه وترعيه حتى يكبر ويتخرج من الجامعة، ثم يركب البحر باحثا عن فرصة عمل، فيبتلعه البحر وبعد أيام يلفظه على شاطئه جيفة مهترئة..
وتساقطت الدموع من عينيها متزامنة مع تساقط دموع السماء.
جاء الدور في الكشف عليها، نهضت السيدة الحامل وأخذت بيد المرأة العجوز، والعجوز لا تكف عن سؤالها: من أنت، وأين زوجك، لماذا يتركك تخرجين وحدك وأنت في الشهور الأخيرة من حملك؟!
أجابتها بصوت تخنقه العبرة: أسرعي يا أمي لنلحق دورك قبل أن يُنادى على المريض الذي بعدنا.. هل عليَّ أن أذكرك في كل مرة نخرج فيها أن زوجي هو ابنك الذي غرق في البحر منذ شهور؟!
د. إبراهيم مصري النهر
التعليقات مغلقة.