تحدي سري
رشيد الموذن
في العادة يبدو غبيا ويعتبره الجميع ذكيا لهدوئه الشديد، دائما تجده هادئا يجلس على كرسي أرجوحة يطل من شرفتة ، بجوار النافذة وساقان نحيفتان ممدودتان ، وجسم محطم كأنه دفن نصفه في الرمل ، يكتفي بمراقبة الآخرين فقط ، لكن المعنى الأبرز هنا
لما هذا الهدوء يكتنف مكانه ؟ هو يعلم جيدا
عندما يكون هادئا يعطي الفرصة للأخرين بالتحدث والتعبير عن أنفسهم ومشاعرهم، حينها يتمكن من مراقبتهم وتحليل شخصياتهم، بالإضافة لشعورهم بالرضا والفرحة عندما يعبرون عن أنفسهم فيربطون هذا الشعور الدافئ بالتواجد معه، ومن ثم يحبونه ، لذالك لديه يقين بإن الرجل هو ما يقوله الإنطباع الأول عن الأخرين غالبا يكون نتيجة لكلماتهم وتصرفاتهم ، وبالتالي من الطبيعي أن يكون الإنطباع جيد عمن يتكلم قليلا ويختار كلماته بعناية
الإستماع للأخرين مهارة لا يجيدها الجميع، لكنها فرصة ممتازة لتعلم الكثير والإنتباه لأدق التفاصيل ، بالنسبة له
المعلومات قوة، اكتسبها منذ كان طالب يدرس حيث ادرك أهمية المعلومات، وتعلم ان الهدوء يمنحه الفرصة لمراقبة الأخرين ومعرفة عما يتحدثون حتى وإن كانت محاولة منهم للإستخفاف تصل حد الإذلال أحيانا ، وعلى الأقل فيتفهم تلك الأحداث بطريقته المختلفة . فمع مرور الوقت وعن تجربة عرف الكثير من الأمور عمن حوله ، بينما هم لا يعلمون عنه سوى القليل .قد يساورهم انطباع انه غبي ولربما بالنسبة لهاؤلاء في اعتقادهم ان كل البشر أغبياء وهم وحدهم أذكياء لهم القدرة لإخفاء غباهم . كما يعتقد الكاذب كل الناس يكذبون والأمر بالنسبة له هو الإختلاف في الكذب وأنه وحده من يملك القدرة على إخفاء كذبه .نعم الأدهى من ذالك يعتبرون أنفسهم الحيوانات الوحيدة التي تملك الحس الأخلاقي بينما الحقيقة المذهلة يوجد في عالم الحيوان قواعد وأخلاق تمارسها أي مجموعة كبيرة وأن حياتها الجماعية تتأثر بأنماط سلوكها فهذه الميزة إن كانت تخص البشر وحده فلما الآلة العجيبة في الغراب المعلم ؟! ..قتل الخراصون !! – فمن هم الخراصون ؟
الكذابون كذباً ناتجاً عن تخمين ساقط ..
الميزة الوحيدة التي ترسخت في ذهنه وحاول مرارا التمرن عليها الى ان اتقنها بجد ، الإستماع للأخرين والإستفادة منهم قبل اي رد، يفكر بماذا سوف يرد، وإنشغاله بالتفكير بالرد يقلل من قدرته على معالجة المعلومات التي يسردها على الطرف الأخر ، في الغالب
يشعر الناس بعدم الراحة من صمته، ولا حتى من كلامه فيحاولوا خلق بيئة مرحة ودودة معه ، لذا فصمته واكتفائه بتعبيرات وجهه اللطيفة تجعل الأخرين يبذلون كل ما في وسعهم لجعل الحديث يبدو مرحا ولطيفا معه . لكن
الكلمات هي دائما سلاحه الفتاك له قوة كبيرة، يتيح له أن يكون ما يشاء ، أن يتلون ويتشكل ، ويعفيه أيضا من قانون أحاديت الذات ، والمفارقة العجيبة لا يستعمله كثيرا بشكل عشوائي دون تفكير!؟ بل لديه قناعات ومجموعة أوراق يلعب بها ، حيث يستعملها بطريقة عقلانية كلما هم بالقول فكر أكثر قبل إستخدامها كانها تختمر في ذهنه لتصبح أقوي .
نعم بالرغم من أنه شخص هادئ ، فحينما يرفع صوته للمستوى العادي يجده المحيطين به صوتا عاليا وحازما، مما يجعل صوته أقوى ككلماته .
هو غالبا ما،يندمج في عمله وذالك بغية الوصول لاكتشاف ذاته، ولا ريب أن يشتكي حتى أقرب الناس إليه من الوحدة في حضوره، لا يتواصل معهم ولا يشاركهم أفكاره.. وتجدهم غالبا ما يتهمونه بغرابة الطبع ويطلبون منه حينا زيارة معالج نفسي ويتهمهم هو أيضا بالخلط بين العيش في واقع الحياة والتردد في محاولة الهجوم على عالمه الداخلي. لذالك لا عجب من عصفور يهرب ممن يقترب وفي يده طعام له ..فالطيور عكس بعض البشر تؤمن بأن الحرية أغلى من الخبز .
في الحقيقة رغم هذا الهدوء، فالحقيقة لم تقف عند هذا الحد ، فهاتفه لا يعرف سكون ، لإنه يعرف أن العلاقات عملة أغلي من الذهب يحافظ عليها ، لكن عندما يفكر في اتخاذ صديق له، يضع معاييرا كثيرة، أهمها البحث عمن يستيطع فهمه بشكل هادئ ومريح ويتقبله كما هو ، وهذا ما اختلج في ذهن الشخص الماثل امامه في الجهة المقابلة ، حيث واقفا القى بثقل جسمه المكتنز على عمود الإنارة وهو يتأمله في شرفته ، تذكر حينها انه يتعمق في جدور صاحبه بهذه الحيلة ، يجول ببصره في متاهة العراء الممتد الى الأبد ، وهو يبدل موضع قدمه كلما شعر بالعياء ، دون أن يبرح مكانه ، مقررا أن تبقى هناك مسافة لترقب هذا الغباء الظاهر في حين ما هو إلا تقمص دور الغباء وتعبير عن ذكاء باهر ، وفجأة ما أن هم بالرحيل، انزلقت قدمه اليسرى فوق قشرة موز ليسقط على الارض ورأسه محاذي لعجلة سيارة الأجرة المركونة قرب الرصيف وهو يعاني من صداع نصفي ، حيث أصابته حالة من التقيئ مستمرة من الواضح أن هناك إصابة في ارتجاج للمخ .. بينما الكرسي الأرجوحة لازال يتأرجح في صمت . شاهدا حوله العالم ينحدر وهو يوقع عقد شراء الهاوية منذرا بما سيحيق به من دمار شامل …
رشيد الموذن
المغرب
التعليقات مغلقة.